ليس صغر العمر ما يجمع محمد بن زايد ومحمد بن سلمان فالفجوة العمرية كبيرة نوعا ما بين رجل خمسيني وآخر ثلاثيني.
وليست الهوايات أو الذكريات المشتركة أو أي من العادات الروتينية التي يتميز بها أمراء الخليج العربي عادة وتميز سلوكهم، ولا الشهوة والمال وركوب الخيل.
بل ما جعلهما في نفس الخندق السياسي هو الطموح الجريء الذي يصل حد كسر خطوط حمراء ومعادلات سياسية كانت تحكم الشرق الأوسط منذ سنوات.
فالرجلان جمعت الصدفة بينهما وكان مقدرا لهما أن يلتقيا في ظرف سياسي إقليمي حساس يشهده الشرق الأوسط في ظل تراجع للدور العربي وصعود ناري لإيران في المنطقة.
أدرك الرجلان اللذان أتيا من بيئة سياسية متراكمة الخبرات والخيبات أن التعامل مع الواقع الجديد بحاجة إلى عدة شغل جديدة وأساليب مختلفة ، وإن كان هذا الواقع هو بالمحصلة نتيجة أداء خليجي أيضا لا يمكن غض النظر عنه ، إلا أن إدارة اللعبة الجديدة بحاجة إلى عقلية جديدة وفلسفة مختلفة عن تلك التي كانت سائدة.
من هنا بدأت رحلة الإلتقاء بين الرجلين ، بين عقلين وفكرين يؤمنان بالحداثة في العمل السياسي التي تتطلب بالأخير قلب الطاولة على الجميع.
وبطبيعة الحال لا بد للمصالح أن تلتقي، خصوصا لعبة الحكم في الداخل، فالإثنان يأملان ويعملان لأن يكونا حكام السعودية والإمارات وفعل ذلك أصبح اليوم أمرا بروتوكوليا فقط لا غير كون خيوط اللعبة أصبحت بأيديهما.
إقرأ أيضا : ترحيب خليجي بتصريحات ترامب
دوائر الغرب:
تعرف دوائر الغرب ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بالرمز MBS وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد بالرمز MBZ.
ليست مهمة التسميات في الغرب بقدر ما هو مهم ذات الشخص وطريقة تفكيره وهو ما لاحظه خبراء غربيون في أداء الشخصين.
الإثنان مختلفان عمن سبقهما من أمراء ، طريقة تفكير مختلفة وإيمان بالحداثة وطموح للعب دور خارجي والأهم جرأة في التعامل مع ملفات المنطقة وهو ما يحلو للغرب أن يسميه تهورا.
وفي هذا الغرب وبالتحديد الولايات المتحدة الأميركية تكثر الأحاديث عن دور فاعل لعبه محمد بن زايد للترويج والتسويق لمحمد بن سلمان في ظل التنافس الحاصل بين الأخير وولي العهد السعودي محمد بن نايف، الرجل السعودي القوي في واشنطن بعد معالجته الحازمة لملف الإرهاب في الداخل السعودي.
إقرأ أيضا : الدوحة تتجاهل المطالب الخليجية وترامب يتمسك بالتهدئة
إستطاع بن سلمان سحب الأميركيين إلى جانبه بمساعدة بن زايد بسبب ما يروج عن وجود كراهية بين محمد بن زايد ومحمد بن نايف، فتحول بن سلمان إلى رجل ذا سمعة طيبة داخل الأروقة الأميركية وتدرج في سلم الحكم داخل السعودية حتى بات الرقم الصعب فيها.
بالمقابل كان محمد بن زايد وبظل غياب رئيس دولة الإمارات خليفة بن زايد بسبب مرضه يرتقي سلم الحكم أيضا وتحول إلى حاكم الإمارات الفعلي على الرغم من كونه وليا للعهد لا رئيسا للدولة.
بالحقيقة ، ثمة غموض يحيط بلعبة الحكم داخل دولة الإمارات خصوصا في آخر سنتين بعد إختفاء خليفة بن زايد عن المشهد السياسي تقريبا ، لكن ما هو مؤكد بل أقرب إلى الحقيقة السياسية أن حكام الإمارات سواء محمد بن زايد أو عبقري الدولة وفكرها الإستراتيجي محمد بن راشد حاكم دبي متفقان على هدف واحد وهو حماية الدولة وعدم فتح الباب أمام أي إستغلال خارجي لخلق بلبلة داخلية وهذا من أسباب إستقرار الحكم في الإمارات والنهضة الإقتصادية فيها.
بموازاة ذلك، كانت قصة المحمدين في الإمارات والسعودية تتطور شيئا فشيئا ، أصبحا أقوياء في بلدانهما وأمسكا بخيوط اللعبة ووضعا الهدف المشترك .
هذه القصة سيدخل عليها رجل آخر يعطيها بعض الإثارة هو دونالد ترمب. ربما الصدفة والقدر أو الحظ من إبتسم للأميرين فقد جاءهم رجل بعقلية تاجر يمكن التفاوض معه على هذا الأساس، ما يعني إغلاق أي صفقة على قاعدة :" رابح - رابح" ، فالأموال تتكلم هنا ولسحرها تأثير كبير سيظهر بعد قمم الرياض التاريخية.
لكن قبل العروج إلى قمم الرياض، كان على الأميرين أن يسطرا ملحمة في الحروب لإعطاء أكبر قدر ممكن من الشرعية والدعاية لحكمهما، فكانت حرب اليمن بجانب من الجوانب من أجل هذا الهدف بالتحديد إضافة إلى الخطر الحوثي.
إقرأ أيضا : هل تستطيع أميركا إخراج إيران من سوريا
لماذا قطر؟
بعد حروب اليمن وسوريا وإشتعال العالم العربي والإسلامي لاحظ الأميران أن إيران إزداد نفوذها في تلك البلدان، وتوج هذا النفوذ بالإتفاق النووي الإيراني مع المجتمع الدولي.
لكن هل هدفهم كان فقط إيران؟
يعتقد البعض أن هاجس الخليج العربي الأكبر هو إيران وهذا صحيح لكنه ليس الهاجس الوحيد.
فقد أثبتت التجربة ما قبل 2011 أنه يمكن التعايش مع هذا الهاجس في ظل معادلات وموازين قوى معينة.
فليست إذا المشكلة الوحيدة هي إيران أو السبب الوحيد لإعلان الحصار على قطر لأنه لو كان ذلك كان أحرى بأن يحصل الحصار على الإمارات، فدولة كمثلها يبلغ حجم التبادلات التجارية بينها وبين إيران ما يقارب ال 20 مليار دولار ويوجد ما بين ال 10 آلاف إلى 50 ألف شركة إيرانية في الإمارات وأصول إيرانية تقدر ب 200 مليار $ في السوق الإماراتية.
ليست إذا المشكلة في العلاقات مع إيران خصوصا إذا تحول الحديث من السياسة إلى عالم الأعمال والتجارة وهذا ما يعشقه الإماراتيون ولا إشكال فيه.
إنما جوهر المشكلة هو القرار الخليجي الواحد والموحد الذي تريد السعودية والإمارات أن تظهره وتتبناه أمام العالم ضمن سياسة واحدة ومتفق عليها بين الجميع داخل العالم الخليجي.
هنا كانت المشكلة مع قطر، تلك الدولة الصغيرة في الجغرافيا الكبيرة بالإمكانيات.
إستطاعت قطر أن تنتهج سياسة خاصة بها خارج العباءة السعودية والخليجية وأن تقدم نفسها على أنها دولة لها سياستها الإقليمية الخاصة بها، فلا يعنيها أي سياسة سعودية أو خليجية بل لها عملها الخاص وساهمت في الكثير من الأماكن في التضييق على السياسة السعودية وإحراجها فإخراجها من بعض الساحات ما أضعف هذا الدور.
إقرأ أيضا : بين الأزمة الخليجية، والتّفجيرات في إيران، أين لبنان؟
يعتبر الأميران أن هذه الثغرة إستغلتها إيران لتوسع أنشطتها في المنطقة وقد إستعملت قطر الإخوان المسلمين من أجل رسم سياستها الخاصة الذين يشكلون عصب العالم العربي والإسلامي.
ما يؤكد حقيقة أن العلاقات مع إيران ليست مشكلة هو مستوى العلاقات مثلا بين الكويت وسلطنة عمان مع إيران، فهذه العلاقات لم تزعج السعودية أو الإمارات كونها علاقات لا تهدف إلى خلق سياسة توسعية خاصة كما فعلت قطر بنظر السعوديين والإماراتيين.
خصوصا أن العدو الفعلي لأنظمة الخليج هم الإخوان الذين تربطهم علاقات قوية مع قطر وتركيا والجمهورية الإسلامية في إيران ويطمحون لإستلام الحكم ( التقارب بين ولاية الفقيه وفكر الإخوان المسلمين وكتابات السيد قطب).
هذا الحلف من طهران إلى الدوحة فأنقرة أيد الربيع العربي في بداياته ( أسماه الإمام الخامنئي بالصحوة الإسلامية) ودعم توجهاته والقيمين عليه وفتحت وسائل الإعلام خصوصا الجزيرة أمام الشباب العربي ومن هنا الشعبية الواسعة للقناة في العالمين العربي والإسلامي حيث ناقشت مواضيع حساسة كانت تعتبر محرمات في البلدان العربية.
إقرأ أيضا : داعش طهران ... وعلامات الإستفهام !
وهذا الحلف توج نجاحه في وصول الإخوان لحكم مصر والزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس مرسي لإيران وظهر في حجم الغضب الذي أبدوه بعد إنقلاب السيسي في مصر.
فمن دان الإنقلاب على حكم الإخوان في مصر حينها هم إيران وقطر وتركيا وهذا ما يؤكد أن ما حصل كان معاكسا لمصلحتهم وإثبات على الدرجة العالية من التنسيق الحاصل بينهم قبل أن يقعوا في مشكل سوريا، لكن على الرغم مما حل في سوريا لم ينقطع التواصل يوما واحد بين هذه الدول وبقت العلاقات على أعلى مستويات ويظهر ذلك في الإدانة السريعة والعلنية التي أعلنتها إيران بعد إنقلاب تركيا.
إذا ، يضع محمد بن زايد ومحمد بن سلمان أهدافا لسياستهما ليهندسا قواعد جديدة للشرق الأوسط.
هذه القواعد قوامها إستعادة قطر إلى البيت الخليجي وإضعاف كيانات الإخوان المسلمين وبالتالي قطع الطريق أمام أي دور لتركيا أو إيران.
هم ببساطة يرمون إلى خلق دور عربي فاعل وقوي لمجابهة أنقرة وطهران وإضعاف نفوذهما في الشرق الأوسط وقد بدآ بقطر لما تملكه من كيانات إعلامية وإقتصادية وسياسية كبيرة ومؤثرة في العالم.
الشرق الأوسط الجديد:
أما على أرض الواقع فإحتمالية نجاح هذا الهدف ضئيلة جدا كون هذا الشرق الأوسط الجديد لا يمكن أن تتم إعداد قواعده من دون إيران وتركيا لتأثير الدولتين العميق في العديد من جماعات وشعوب المنطقة.
بالتالي فإن طموح الأميران سيصل إلى مستوى محدد ومحسوب أميركيا وهو خلق توازن بين العرب من جهة وإيران وتركيا من جهة أخرى، فهذه المعركة لا تنته بإنتصار أو هزيمة لعدة إعتبارات أهمها أن أميركا مديرة الشرق الأوسط لن تسمح لأي طرف من الأطراف أن يلعب لعبة الموت حتى النهاية فهي لا تزال تريد خلق توازنات معينة لكن هذه المرة بزخم عربي قوي لن تستطيع إيران أو تركيا أن تلعبا في المنطقة إلا ضمنها وأن يعيروا إنتباه وحذر لهذا الزخم .
إقرأ أيضا : تركيا تدخل على خط الأزمة بطرح حلول عسكرية لإنقاذ قطر
فهل سيغامران أكثر أم سيقتنعان بهذا الحد من التوازن؟
عن هذا السؤال يجيب خبراء بأن لا مصلحة لأميركا بالتحديد من أن يكون أي طرف إقليمي مستقوي أو متغلب على الآخر لأن مشكلة الإرهاب في هذه الحالة ستستمر بسبب المظلومية وغيرها وبسبب حسابات إستراتيجية أميركية لها علاقة بأمن إسرائيل بالدرجة الأولى وإمدادات النفط والحاجة للدور الأميركي كمصلح في هذا الشرق وبالتالي لا بد من خلق هذا التوازن الإيجابي بين هذه الدول لكي تبقى كلها تحت المظلة الدولية بقيادة أميركا وهي رأت بمحمد بن سلمان وبمحمد بن زايد أملا ومؤهلات كافية لأن يساهما في تحقيق هذا التوازن.
وماذا عن إسرائيل والصراع العربي الصهيوني؟
يبقى هو الملف الأساسي في تلك التوازنات، لكنه ملف أكبر من دول المنطقة، هو ملف مرتبط بقدرة أميركا على إرغام إسرائيل بالتسوية النهائية، وفي حال حصول ذلك وهو مستبعد حاليا فإن الشرق سيشهد إنقلابا حقيقيا وإستراتيجيا بقدر اللحظة التاريخية التي ولد فيها الكيان الصهيوني.