إنها ليست حكاية من حكايات "كان يا ما كان" التي كانت ترويها لنا جدّتنا عندما كنّا صغاراً قبل النوم، ولم تقع في بلد مثالي كالذي تكلّم عنه أرسطو في "المدينة الفاضلة". بل إنّها حكاية حقيقية وقعت في لبنان..!!!
بطل هذه الحكاية حمّالٌ في مطار الشهيد رفيق الحريري الدولي، أنور ابن إقليم الخروب، يعمل بالمطار منذ 14 عام، ويتقاضى أجراً لا يتعدّى ال700 ألف ليرة.
كان أنور يقوم بعمله كالمعتاد في حرم المطار يساعد المسافرين بنقل حقائبهم عندما عثر على مبلغ مالي قيمته 10 ألاف دولار نسيه أحد الواصلين، وبدل أن يحتفظ به وكأن شيئاً لم يكن، حمل أنور المبلغ على الفور إلى مكتب قوى الأمن في المطار وسلّمه إلى العميد جان طاروزيان الذي قام بدوره بتسليمه إلى صاحب المبلغ الذي كان وصل إلى مكتب قوى الأمن مبلّغاً عن فقدانه المبلغ، وهو ممن يشقون في بلاد الاغتراب لتأمين عيشهم الكريم. على ما يبدو، لا بل من المؤكّد، بأن أنور لم يتأثّر بسياسيي البلد الذين تناسوا بأن الأموال المؤتمنين عليها هي ملك الشعب لا ملكهم.
هذا وكرّم وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصرف الأعمال مروان شربل، في مكتبه في الوزارة، المواطن الصالح "أنور" تقديراً لأمانته التي تحلى بها وجسدت قيم اللبناني.
واستهل الوزير شربل كلمته مشيراً إلى أن "ما قام به هذا المواطن الصالح يؤكد أن البلد لا يزال بخير على رغم ما يشهده من ضغوط سياسية وأمنية واقتصادية تثقل كاهل المواطن الذي لا يزال أيضاً مقتنعاً بوطنه ومتمسكاً بقيمه التي تربى عليها ، موضحاً أن هذا المواطن قاوم كل ما يتنافى مع مبادئه على رغم الأوضاع المعيشية والحياتية التي تعانيها فئة كبيرة من اللبنانيين وبخاصة الطبقة الوسطى وما دونها".
وأضاف شربل: "فوجئت بهذه الواقعة بالنسبة الى ما يحصل في البلد، وتأكدت أن هناك مواطنين لا يرغبون في إطعام أولادهم إلا من عرق جبينهم، وإن ما حصل في الظروف الدقيقة والصعبة التي يمر فيها بلدنا يشكل رسالة مدوية تقتضي منا ألا نقطع الأمل من لبنان ما دام ابناؤه لا يزالون خيرين ومتجذرين بتقاليده وأن لبنان لا يزال من أفضل بلدان العالم بالرغم من الصعوبات السياسية التي يمكن تجاوزها بالحوار الذي يدعو اليه فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان والتي نأمل ان ينعقد في أقرب فرصة ويأخذ السياسيون العبرة من هذا الحمال الذي فضل سمعة بلده وسمعة مبادئه على أي مصلحة أو مكسب شخصي".
وأشار شربل إلى أنه اتصل بفخامة رئيس الجمهورية ميشال سليمان الذي هنأ الحمال على فعلته التي رفض فيها إدخال المال الحرام الى جيبه لان صاحبه قد يكون في أمس الحاجة اليه، ورأى في ذلك ما يعكس حقيقة أن اللبنانيين يتمتعون برصيد كبير من القيم التي تمكنه من النهوض.
واللافت أن المواطن الصالح "أنور" لم يشأ الإفصاح عن اسمه الكامل، ليكتمل بذلك ما قام به مع المواطنية الصالحة وليكون أمثولةً للقيام بواجب الأخلاق، ولتبقى ملحمة "أنور الحمّال" الضمير الحي في بلد الفساد والمفسدين..