تكثر هذه الأيام طوابير المواطنين العرب الراغبين في الهجرة واللجوء، أمام سفارات الدول الأوروبية والكندية والأسترالية، كلهم يطمح في الحصول على تأشيرة سفرٍ، أو يحلم بنيل الموافقة على طلب للهجرة واللجوء إلى أيٍ من الدول الأوروبية، علهم يتخلصون من واقعهم المرير، وينعتقون من حياتهم القاسية، وينجون من معاناتهم اليومية، وتتفضل عليهم حكومات هذه البلاد باستقبال بعضهم، أو تقديم المساعدة لهم، للتخفيف من معاناتهم المتفاقمة، التي تزداد يوماً بعد آخر، خاصةً في ظل موجة الصقيع الباردة التي ضربت المنطقة العربية، وأثرت كثيراً على المواطنين واللاجئين فيها.

طالبو الهجرة واللجوء العرب، ليسوا فلسطينيين أو سوريين فقط، بحكم أنهم يعيشون ظروفاً خاصة، ويعانون من واقعٍ مريرٍ ومؤلمٍ في بلادهم، بل إن الكثير منهم من اللبنانيين والعراقيين والمصريين والسودانيين والصوماليين واليمنيين، فضلاً عن الجزائريين والتونسيين والمغاربة، ما يعني أن رعايا أكثر من نصف الدول العربية يبحثون عن الهجرة، ويسعون إلى اللجوء خارج أوطانهم، والرحيل من بلادهم، بحثاً عن الأمن والسلامة، والرزق والعيش الكريم.

لا تغلق الدول الغربية وغيرها أبواب سفاراتها أمام طالبي الهجرة واللجوء، ولا تصد الناس، ولا تطلب من شرطة الدول التي تتواجد فيها سفاراتهم، ضربهم أو طردهم أو الإساءة إليهم، ولا تطلب منهم أن تطوقهم وتضعهم داخل أسلاكٍ شائكة، فلا يستطيعون التقدم أو الاقتراب من بوابات هذه السفارات، ولا تسيئ معاملتهم إذا دخلوا إلى حرم السفارة، ولا تغلظ عليهم القول، ولا تعاملهم بقسوةٍ أو غلظةٍ وجفاف.

بل إنها تحسن استقبالهم، وتتلطف في معاملتهم، وتنصب لهم سرداقاً أمام السفارة، وتهيئه بما يناسب من مقاعد مريحة، وبرادٍ جيدٍ للماء، ومروحة في الصيف، وغير ذلك من لوازم الراحة ومستلزمات الانتظار، وتنظم دخولهم إلى السفارة باحترامٍ ونظام، فلا تدافع ولا تسلل، ولا واسطة ولا محسوبية، كلٌ حسب دوره، أو بموجب الرقم الذي يحمله، والذي حصل عليه من السفارة مباشرة، أو من مكاتب الخدمة المختصة.

لا يغتاظ المراجعون العرب من طالبي الهجرة واللجوء من أي معاملةٍ يلقونها من موظفي سفارات الدول الغربية، ولو بدا عليها خشونة أو رعونة، بل إنهم يستغربون ما يلقون منهم من احترامٍ وتقدير، وحسن معاملة وصدق توجيه، فلو حدث وأن كان أحد المراجعين في حاجة إلى تصويرِ وثيقةٍ، أو تعبئة نموذج، فإنه يجد من يساعده، ويقدم له يد العون، دون أن يسأله في النهاية عن ثمن التصوير وبدل الخدمات.

في الوقت الذي يرون فيه سوء معاملة سفارات الدول العربية للمواطنين العرب، الذين يرغبون في الحصول على تأشيرة دخول، أو المصادقة على شهادة، أو استخراج وثيقة، أو إتمام أي معاملة رسمية، فهم يتشددون في التعامل معهم، ويغلظون عليهم القول، وقد يستخدمون ضدهم كلماتٍ نابية، ومفرداتٍ فاحشة، ويستهزؤن ببعضهم، ويتهكمون على آخرين، طالبين منهم أن يذهبوا إلى بلادهم، ويسووا أمورهم في سفاراتهم، ويشعرونهم بأنه غير مرحبٍ بهم، وأنهم لا يرغبون في مساعدتهم.

أما على بوابات السفارات العربية، فلا احترام ولا تقدير للمواطنين، ولا تنظيم لدخولهم، ولا صالة لاستقبالهم، ولا مكان لائقٍ ينتظرون فيه، ولا خدماتٍ بسيطة وضرورية تقدم لهم، في الوقت الذي تصر فيه القنصليات على اصطحاب الطفل الصغير، وإحضار الرضيع والشيخ العجوز، غير عابئين بحالتهم، ولو كانوا ضعفاء أو مرضى، أو مصابين ومعاقين، فإنهم يلزمونهم بالحضور، ولو كان الطقس بارداً وعاصفاً في الشتاء، أو حاراً لاهباً في الصيف.

ولا يشعر الموظفون في السفارات العربية، بأدنى حرج لو أنهم أعادوا مواطناً من حيث أتى، إذا شعروا تجاهه بعدم راحة، أو رأوا منه ما يكرهون، فتراهم يتشددون عليه، ويبالغون في التدقيق في أوراقه ومستنداته، ولو كان ينقصه صورة أو أدنى من ذلك، فإنهم يجبرونه على مغادرة السفارة، والعودة إليها مرةً أخرى، وفق دورٍ جديدٍ، وربما في يومٍ آخر.

بقدر ما يشعر العربي ببعض كرامته على بوابات السفارات الغربية، وأنه إنسانٌ يقدر ويحترم، ويصغي له المسؤولون ويستمعون إليه، فلا يخطئون في حقه، ولا يرفعون الصوت في وجه، فإن العربي يرى نفسه مهاناً عند سفارات بلاده، ومستحقراً من موظفيها، ينفرون منه كأنه وحش، ويبتعدون وكأنه نجس، ولا يقتربون منه وكأنه تهمة، ترقبه عيون الحراس، ويتابع حركته الموظفون، وترصد وجوده الكاميرات، فإن أخطأ أو تململ، أو أبدى احساساً بالضيق أو السأم، فإنه يطرد، ولا يسمح له بالعودة، متهمين إياه أنه أساء إلى الدولة، واعتدى على رمز سيادتها.