اخفقت بروكسل في ضم اوكرانيا الى اتفاقية الشراكة الاقتصادية التي كان من المتوقع انعقادها بين الجانبين بتاريخ 27-28-نوفمبر/ تشرين الثاني في قمة فيلنوس اللتوانية.ان تلكؤ اوكرانيا في التوقيع على الاتفاقية يعود اساساً الى الشروط القاسية التي فرضت عليها من قبل اوروبا والمتعلقة بشكل خاص باطلاق سراح السجينة السياسية ورئيسة الوزراء السابقة يوليا تموشينكو ،والتي اعتبرت كييف هذه الشروط تدخلا سافراً في شؤونها القضائية والداخلية ،اضافة الى الضغوط والابتزاز التي تعرضت لها اوكرانيا من قبل روسيا حيث كانت موسكو تهددها دائما برزمة عقوبات اقتصادية تبدأ بالغاز مرورا بتاشيرات المواطنين الاوكران وصولا الى البضائع الاوكرانية .وقد بدأت روسيا تفرض حظراً اقتصادياً غير معلن على اوكرانيا نتيجة اعتماد الاسواق الاوكرانية على التصدير الى روسيا، حيث كانت الاخيرة تضع معاير دولية في علاقتها مع الانتاج الاوكراني من خلال المواصفات للمنتوجات الاوكرانية ما يعيق عملية الاستيراد.
وعلى الرغم من ان الزيارة الاخيرة التي قام بها رئيس اوكرانيا فكتور يانوكوفيتش الى بولونيا محاولا الرد على الازمة المتصاعدة بينه وبين روسيا من خلال تأمين احتضان بولوني لاوكرانيا كورقة يحاول الرئيس الاوكراني استخدامها في وجه روسيا والاتحاد الاوروبي نظرا لعلاقة بولونيا بالولايات المتحدة ،ولسوء العلاقة التي تسيطر على علاقة بولونيا بروسيا، لكون بولندا قدمت الكثير من الخدمات الكبيرة لاوكرانيا في فترة قيام الثورة البرتقالية وكانت تهدف لتشكيل حلف اوروبي جديد في وسط اوروبا مع اوكرانيا الجديدة مدعوما من اميركا ليقف في وجه لروسيا على اساس " العداء" التاريخي.
فالمعارضة التي تواجهها اوروبا كانت من قبل حزب الاقاليم والممثلة بشخص رئيس الوزراء نيكولا ازاروف الحالي الذي أكد "ان مفاوضات توقيع اتفاق شراكة مستمرة، والعمل لتقريب البلاد من المعايير الأوروبية لا يتوقف" ،لكنه يدعوالى ترتيب العلاقة مع روسيا والتي تضمن بدورها تحسن الحياة الاقتصادية والسياسية، ما يعني بانه سجل نصراً على المعارضة البرتقالية ،الى جانب قوى المجتمع المدني والاقتصادي التي ترى بان الاتفاقية سوف تكون على حساب الشعب الاوكرانيا .لقد فشلت امال وطروحات الرئيس الاوكراني بان يجعل من اوكرانيا جسرا للترابط بين الاتحاد الاقتصادي الاوروبي والاتحاد الاقتصادي الاوراسي .
لكن مع قدوم فصل الشتاء وتزايد الحاجة للغاز وازدياد الطلب عليه لانتاج المواد الاستهلاكية الصناعية تبدأ روسيا بالضغط من خلال استخدام العصا وهذه السياسة التي تمارسها روسيا ضد اوكرانيا على طريقة "العصا والجزرة " ،اي الترغيب والترهيب"، وسكوت الغرب الذي سمح لروسيا بفرض شروطها على اوكرانيا والعودة للحضن الروسي لسببين: لان الحليف الاميركي يمكن ان يضمن تحرك اوكرانيا مع الحليف الاوروبي بعدم تدهور العلاقة مع روسيا، وبالتالي هو لا يريد ان تكون اميركا قوة فاعلة في اوروبة والمثل الصاخب كان بولندا.
موسكو تحاول اعادة اوكرانيا الى بيت الطاعة باي ثمن،وادخالها في الاتحاد الاقتصادي الاوراسي المزمع تشكيله قريبا من دول اوروبية واسيوية كانت في تدور فلك الاتحاد السوفياتي السابق، ليشكل هذا الاتحاد الجديد جسرا للتواصل بين الغرب والشرق وقوة جديدة بقيادة موسكو . فاوكرانيا التي كانت تامل من اوروبا مساعدات اقتصادية وحماية سياسية بوجه الابتزاز ، دفع بالرئيس البولوني" برونيسلاف كوموروفسكي بالقول بان بروكسيل:" ارتكبت خطأ في التقويم، إذ ركزت على ملف المعارضة يوليا تيموشينكو، على حساب سياسة الضغط والابتزاز التي تمارسها موسكو على كييف". لكن الرئيس الاوكراني فيكتور يانوكوفيتش يرى بأن بلاده "تنتظر شروطاً أفضل لتوقيع الاتفاق" ،علماً أن القمة كانت مقررة بين الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا في شباط \فبراير2004".
وفي المقابل دعت تيموشينكو القادة الأوروبيين إلى "تحرير أوكرانيا" وبذل كل ما في وسعهم لتوقيع اتفاق الشراكة الشرقية مع بلادها، من خلال رسالة نشرتها ابنتها وطلبت من الشعب الاوكراني التظاهر من اجل توقيع الاتفاق بلا تردد أو شروط.
والجدير بالذكر بان بنود القمة التي تمت بين بوتين - يانوكوفيتش في موسكو بتاريخ 11 نوفمبر 2013 لاتزال غير واضحة ، وماهي الوعود التي قطعها الروس على انفسهم امام الاوكران لدفعهم للهروب من توقيع الاتفاقية، فهل موسكو قررت سد ميزان العجز الاوكراني وفتح جسرا اقتصاديا بينهما،مما دفع الغرب الى الرضوخ لتهديد موسكو،وترك الشارع الاوكراني المحتج والمصرّ على هذه الشراكة وحيداً.
د.خالد ممدوح العزي