مخرجات المفاوضات الإيرانية مع مجموعة الخمسة زائد واحد خضعت للكثير من الردود، والردود المضادة.في شكل جعل منها مادة للسجال الداخلي على مستوى الحالة اللبنانية، وخارجي ضمن الصراع الكبير بين المحاور.إلا أن الثابت كان، أن الإتفاق بكل المقاييس، لا يمكن أن يوصف إلا بالتاريخي وغير المسبوق.
العنوان الأبرز في الملف كاملاً هو معادلة ربح – ربح، المعادلة الأنجع على في علم الوساطة، تاريخياً، لم يصمد أي إتفاق يشعر فيه أحد الطرفين بالغبن، والبراهين على ذلك كثيرة، في حين هدفت هذه المفاوضات للتوصل إلى "حل شامل وطويل المدى يوافق عليه جميع الأفرقاء، ويضمن أن يكون البرنامج النووي الإيراني ذا طابع سلمي حصراً".
الجميع رابح من هذا الإتفاق، هكذا وصف الرئيس الفولاذي بوتين الحالة منه، جميع أطراف مجموعة 5+1 نالوا مبتغاهم من حصوله، إيران التي أنهكتها العقوبات الإقتصادية، وإن لم تؤثر على تصميمها، أكدت من خلال توقيع هذا الإتفاق ما سبق وأعلنته أنها لن تسعى في أي ظرف من الظروف إلى حيازة أسلحة نووية أو تطويرها. بالمقابل، اتاح لها "التمتع بكامل حقوقها في مجال حيازة الطاقة النووية لأغراض سلمية بموجب البنود ذات الصلة في معاهدة حظر الانتشار وبما ينسجم مع التزاماتها بموجب تلك المعاهدة."
في الداخل الإيراني تصاعدت الأصوات مرحبة بالحاصل، النتيجة الفورية كانت إرتفاع قيمة الريال الإيراني في حدود الخمسة بالمئة بعد إعلان النبأ، الذي تولى إعلانه "تويت" لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، خصوصاً مع إعلان الإتفاق أنه يهدف إلى "الإلغاء الكامل لكل عقوبات مجلس الأمن، وكذلك العقوبات الوطنية والمتعدّدة الطرف المفروضة على إيران على خلفية برنامجها النووي."
كل طرف من الأطراف كان لديه السبب الملائم لإنجاح الإتفاق، بدئاً بإيران، وقد تناهى إلى أسماع "بالعربي" عن تغير سياسة طهران مع رحيل الرئيس أحمدي نجاد، وإتيان الرئيس حسن روحاني على جناح النسبة القياسية من الدورة الأولى، ومعه الوزير ظريف في الخارجية، كان واضحاً ان تغيير الرئاسة الإيرانية سيترافق مع تغيير السلوكيات، وسينعكس إيجاباً على الملف النووي والمفاوضات، ما فسر تلك الهمسات التي أسر بها كبير المفاوضين إلى ممثلة الإتحاد الأوروبي آنذاك، جواباً على تكلمها بنبرة عالية "عليكم إيقاف تخصيب اليورانيوم عند حدود الخمسة بالمئة"، قائلاً، وعيونه تلمع، وماذا سيكون موقفكم إذا قبلنا؟ فأجابت، علي أن أراجع الدول الأعضاء. يومذاك، منذ حوالي أكثر من سنة، تأسس لهذا الإتفاق.
روسيا كانت من المرحبين بالإتفاق طبعاً، فتحالفها إستراتيجي مع طهران، ثانياً، جعل ذلك منها "مفتاح حل" لقضايا المنطقة الاكثر تعقيداً، القيصر فرض معادلة "مفتاح الحل في موسكو"، ما سييسر أي مستقبل تفاوضي لأي شأن ذا شأن، وليس الملف السوري من ذلك ببعيد.والدليل السفر العاجل لنتنياهو، لمقابلة بوتين، الخصم التقليدي لليمين الإسرائيلي.
الولايات المتحدة لا تريد الحرب، أوباما كير ملف شائك، باستطاعته أن يكون "taking care of Obama" وحزبه، وفي نفس الوقت أن لم يداره كما يجب، يحرص على ألا يبقى له ولا حزبه أي منصب في الكونغرس، ويغادر الرئاسة بشعبية قياسية الإنحدار. بالمقابل، قرع أجراس عشرين ألف كنيسة في جميع أنحاء الولايات المتحدة رفضاً لحرب أميركية على سوريا، كان دليلاً أيضاً لرفض الشعب الاميركي شن حرب على إيران.
حاكم أوروبا، ألمانيا، بالمقابل، استعاد الشأن الإقتصادي صدارة سلم الأولويات في القارة العجوز، إتفاق "مقبول" ينظم الشأن النووي الإيراني، بكلفة عشرات الآلاف من الدولارات، وبنتيجته إعادة أسعار البترول إلى ما دون المئة دولار للبرميل، أفضل بما لا يقاس من مليارات كانت ستصرف في تدمير البنى التحتية لإيران، ناهيك عن الخسائر البشرية والنفسية بما لا يثمن.
بريطانيا بالمقابل، التي عرضت للبيع، منذ فترة وجيزة، آخر حاملة طائرات تمتلكها، والتي تبلغ كلفة تشغيلها حوالي مليار دولار سنوياً، وبعد الجدل وشد الحبال في الشارع البريطاني، حول "من يجب أن يتحمل نفقات زيارة البابا، أهي كنيسة المملكة المتحدة، أم الحكومة البريطانية"، فإن من المشكوك فيه ألا تقبل بريطانيا بإتفاق "المعقول والممكن".
أما الصين، فتتماهى مع حليفتها روسيا، وإيران، وأصبحت بمثابة المصارع العملاق الاسطورة، على الساحة الدولية، التي لا ترضى أن يكسر من يقف بجانبها.
فرنسا شكلت الحلقة الأكثر تشدداً في المفاوضات، هولاند الخاسر في معظم معاركه الداخلية، تطلع إلى رفع أسهم ديبلوماسيته الخارجية، من منطلق تصوير نفسه حارساً للقيم الديمقراطية، وملكياً أكثر من الملك في التشدد بشأن حضر الأسلحة النووية، رغمذاك، علم أن قطار التسوية لا يسير على إيقاع هواه، وأن هناك إتجاهاً حقيقياً لإغلاق ملف البرنامج النووي الإيراني وطويه، وبالتالي، بالتسورية آتية، ولا طائل من محاولة عرقلتها...
في المستقبل القريب، سيكون لـ"بالعربي" قراءة في الأثر المتوقع لهذا الإتفاق على الشأنين العربي والمحلي، بعد تمظهر أفق وأبعاد وسرعة وتيرة التنفيذ، إلا أنه، بالعربي، لا بد من شكر كل من سهل وساعد في تحقيق هذا الإنجاز الديبلوماسي، الذي هو فعلاً "يوم له ما بعده".