ي ذكرى عاشوراء، هي دعوة للسنة والشيعة ألا يسمحوا بإنتصار النهج اليزيدي الذي يحب الظلم، وسفك الدماء، وقتل الناس، وتشريد الآمنين، وإنتهاك الأعراض...والله إن الحسين ليس ملكاً للشيعة، والسنة ليسوا يزيديين،و الله، إن في الفتنة بين السنة والشيعة، والقتل وهدر الدماء إنتصار للمنطق اليزيدي على المنطق الحسيني، وإن في حقن الدماء، ووأد الفتنة، إنتصار لدماء الحسين، قلب الحسين. وكما سبق وقلنا، إن اختلف السنة والشيعة وتقاتلوا وتناحروا، فسيكون سنة الحسين وجده، وشيعة الحسين وجده، قد تواطأوا مجدداً على قتل الحسين....
في ربوع الملحمة الحسينية
غسان بو دياب
وهدّر الحسين صارخاً: «... ألا لعنة الله على الظالمين الناكثين الذين ينقضون الايمان بعد توكيدها وقد جعلوا الله عليهم كفيلا»... ألا وإن الدعي ابن الدعي قد تركني بين السلة والذلة، وهيهات له ذلك مني ! هيهات منا الذلة ! أبى الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنون، وحجور طهرت وجدود طابت، أن يؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام، ألا وإني زاحف بهذه الأسرة على قلة العدد، وكثرة العدو، وخذلة الناصر. وكان قد أسبقها بعد أن ركب فرسه، واستنصت الناس، وحمد الله وأثنى عليه، بقوله لعسكر يزيد:« تبا لكم، أيتها الجماعة ! وترحا وبؤسا لكم، حين استصرختمونا ولهين، فأصرخناكم موجفين، فشحذتم علينا سيفا كان في أيدينا، وحمشتم علينا نارا أضرمناها على عدوكم وعدونا، فأصبحتم إلبا على أوليائكم، ويدا على أعدائكم من غير عدل أفشوه فيكم، ولا أمل أصبح لكم فيهم، ولا ذنب كان منا إليكم، فهلا لكم الويلات إذ كرهتمونا والسيف مشيم، والجأش طامن، والرأي لما يستحصف، ولكنكم أسرعتم إلى بيعتنا كطيرة الدبا، وتهافتم إليها كتهافت الفراش، ثم نقضتموها سفها وضلة، فبعدا وسحقا لطواغيت هذه الأمة ! وبقية الاحزاب ونبذة الكتاب، ومطفئي السنن، ومؤاخي المستهزئين الذين جعلوا القرآن عضين، وعصاة الإمام، وملحقي العهرة بالنسب، ولبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون. وأردف:«أفهؤلاء تعضدون، وعنا تتخاذلون، أجل والله ! خذل فيكم معروف نبتت عليه أصولكم، واتزرت عليه عروقكم، فكنتم أخبث ثمر شجر للناظر، وأكلة للغاصب...»
... شهدت معركة كربلاء غير المتكافئة ملحمة إنسانية تدمع المآقي، قضى فيها قسم من عترة الرسول وآل بيته، وأسست لفرقة كبرى بين المسلمين، وتداخل العنصر السياسي فيها بالبعد الإنساني الروحي، تناسى الجميع أن الإمام الحسين ليس للشيعة فقط، وان يزيد لا يتحمل وزره السنة، بل مثّل يزيد السلطة المتهتكة، ومثل الإمام الحسين المصلح الإجتماعي الراقي. ألم يقل الحسين لما سئل عن سبب خروجه إلى الشام فقال : «إني لم أخرج أشراً، ولا بطراً ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي رسول الله (صلعم)، أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين».بما يعني أن كل من يؤمن بالمعروف، ويعمله هو تبع سنة الحسين وجد الحسين. ويمكن القول أن التأصيل الإجتماعي للثورة الحسينية موجود بقوة من استبداد الحاكم وظلمه، الذي جوع الشعب، وصرف أمواله في اللذات، والرشا وشراء الضمائر، وقمع كل تنوع ومزق وحدة المسلمين، وشرد كل ذوي العقيدة السياسية التي لا تنسجم مع سياسة البيت الأموي، بالتالي، أعاد إحياء النعرة القبلية التي حاول الرسول خنقها بمساواة الناس ببعضهم البعض في ظل الإسلام. وقد ذكر الحسين في كربلاء بذلك، فقال في أحد خطبه يومذاك:«أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: من رأى سلطاناً جائراً، مستحلا لحرام الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنه رسول الله، يعمل في عباد الله بالاثم والعدوان، فلم يغير ما عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله ان يدخله مدخله...ألا وان هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان تركوا طاعة الرحمن واظهروا الفساد وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، واحلوا حرام الله، وحرموا حلاله، وأنا احق من غيرَّ، وقد أتتني كتبكم، وقدمت علي رسلكم ببيعتكم، وانكم لا تسلموني ولا تخذلوني، فان تممتم عليَّ ببيعتكم تصيبوا رشدكم، فاني الحسين ابن علي وابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله نفسي مع أنفسكم، وأهلي مع أهليكم، فلكم فيَّ أسوة وإن لم تفعلوا، ونقضتم عهدكم، وخلعتم بيعتي من أعناقكم فلعمري ماهي لكم بنكر لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمي مسلم بن عقيل، والمغرور من اغتر بكم، فحظكم أخطأتم، ونصيبكم ضيعتم، ومن نكث فإنما ينكث على نفسه».
الحسين استشهد في كربلاء، ومعه لا تزال قيمه الحسينية تذبح، منذ ذلك اليوم، إلى يومنا هذا، منذ ذلك اليوم لا يزال الشر ينتصر، لا يزال الخير يسبى، لا يزال المنكر يعلو، والحق يسحق، اليزيدية تتفاقم عند ولاة أمور المسلمين، الذين جعلوا الحكم غنيمة، وأفقروا الشعوب، وبثوا الفتنة والتفرقة، وسيروا منطق الغلبة، وحمسوا الشيعة على السنة، وشجعوا السنة لذبح الشيعة، خدمة لمشاريع بقائهم على كراسيهم.إلى اليوم لا يزال المسيحيون يضطهدون، وكنائسهم تهدم، وصلبانهم تكسر، إلى اليوم لا تزال الاقليات تضطهد، فحتام يا سنة الحسين، ويا شيعة الحسين؟
فلنختم الكلام مع زينب، تقول لليزيدية قولاً يجدر قوله كل يوم، «أمن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك نسائك وإمائك؛ وسوقك بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ وقد هتكت ستورهن وأصحلت أصواتهن، مكتئبات تجري بهن الأباعر ويحدو بهن الاعادي من بلد الى بلد، لا يراقبن ولا يؤوين، يتشوفهن القريب والبعيد، ليس معهن ولي من رجالهن ! وكيف يستبطأ في بغضنا من نظر الينا بالشنف والشنآن والاحن والاضغان. ..... اللهم خذ لنا بحقنا وانتقم لنا ممن ظلمنا. إلى أن تقول :«والله ما فريت إلا في جلدك، ولا حززت إلا في لحمك وسترد على رسول الله (ص) برغمك، وعترته ولحمته في حظيرة القدس، يوم يجمع الله شملهم ملمومين من الشعث. ..وسيعلم من بوأك، ومكنك من رقاب المؤمنين، إذا كان الحكم الله. .. والخصم محمد (ص)، وجوارحك شاهدة عليك....فبئس للظالمين بدلاً ايكم شر مكاناً واضعف جنداً، مع اني والله يا عدو الله وابن عدوه استصغر قدرك واستعظم تقريعك، غير ان العيون عبرى والصدور حرى وما يجزى ذلك او يغني وقد قتل الحسين عليهالسلام، وحزب الشيطان يقربنا الى حزب السفهاء ليعطوهم اموال الله، على انتهاك محارم الله....فوالله ما اتقيت غير الله. .. ولا شكواي إلا إلى الله. .. فكد كيدك، واسع سعيك ، وناصب جهدك، فوالله لا يرحض عنك عار ما اتيت الينا أبداً.والحمد لله الذي ختم بالسعادة والمغفرة، لسادات شبان الجنان فأوجب لهم الجنة، اسأل الله أن يرفع لهم الدرجات، وان يوجب لهم المزيد من فضله فإنه ولي قدير «...ويكفي يزيد قول زوجته له: غداً يا يزيد تجيء يوم القيامة وابن زياد شفيعك . .. ويجيء الحسين وجده رسول الله شفيعه !. »أيها المسلمون، والله الذي لا إله إلاه، ولا معبود في الأرض والسموات سواه، إن في الفتنة بين السنة والشيعة، والقتل وهدر الدماء إنتصار للمنطق اليزيدي على المنطق الحسيني، وإن في حقن الدماء، ووأد الفتنة، إنتصار لدماء الحسين، قلب الحسين. وكما سبق وقلنا، إن اختلف السنة والشيعة وتقاتلوا وتناحروا، فسيكون سنة الحسين وجده، وشيعة الحسين وجده، قد تواطأوا مجدداً على قتل الحسين....عظم الله أجوركم.