بعد تسع سنوات على رحيله تبيّن ما كان متوقّعاً، تبيّن أنه مات شهيداً كما كان يتمنى، فليس المرض ما قتل الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، بل اغتيل عبر تسميمه بمادة البولونيوم المشعّة. وهذا ما صرّحت به أرملته سهى عرفات أمس، بعد تسلّمها تقرير "معهد لوزان للفيزياء الإشعاعية" السويسري.
فأكدت البحوث الطبية أن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات قتل مسموماً بمادة البولونيوم المشعة، وعثر علماء سويسريون مكلّفون بفحص عينات من رفات عرفات على مقادير تصل إلى 18 ضعف المعدل الاعتيادي من مادة البولونيوم المشع في تلك الرفاة مما يرفع إلى 83% نسبة الاشتباه بأنه مات مسموماً بهذه المادة، وذلك بعد عام على نبش قبره.
وأفاد تقرير من 108 صفحات صادر عن المركز الجامعي للطب الشرعي في مدينة لوزان السويسرية إن مقادير غير طبيعية من البولونيوم وجدت في حوض عرفات وأضلاعه وفي التربة الموجودة تحت جثمانه.
وقال عالم الطب الشرعي البريطاني ديفد أن تلك النتائج تؤكد أن عرفات مات مقتولاً عبر تسميمه بالبولونيوم، مضيفاً أن "ما تم العثور عليه هو البندقية التي قتلته والدخان يتصاعد منها، ما لم نعرفه حتى الآن من كان ممسكاً بها وقت حصول الجريمة".
وكان علماء سويسريون وفرنسيون وروس قد حصلوا في تشرين الثاني من العام الماضي على عينات استخرجت من رفاته بعد نبش قبره في رام الله، وخلص العلماء إلى أن نتائجهم "تدعم بصورة
معقولة فرضية أن وفاته كانت نتيجة تسممه بمادة بولونيوم-210، وأوضح فريق الخبراء أنهم لم يتمكنوا من الوصول إلى نتائج أكثر دقة بسبب المدة الزمنية التي مرت على وفاة عرفات وقلة العينات المتاحة.
وتعتبر مادة بولونيوم-210 من المواد المشعة بدرجة عالية، وعادة ما يعثر عليها بمعدلات منخفضة في الطعام وجسم الإنسان، لكن يمكن أن تتسبب في الوفاة إذا حقن الشخص بها بجرعات عالية.
وكان الزعيم الفلسطيني قد أصيب بمرض غامض يوم 12 تشرين الأول 2004 أثناء حصار مقره في رام الله من قبل القوات الإسرائيلية على خلفية أحداث الانتفاضة الفلسطينية. وظهرت على عرفات أعراض غثيان يصحبه قيء وآلام بطن، وبدأته حالته تتدهور ولم ينجح في إيقافها أطباء مصريون وتونسيون، مما استدعى نقله يوم 29 تشرين الأول إلى مستشفى بيرسي العسكري في باريس. كما أخفق الأطباء الفرنسيون هم أيضاً في تشخيص حالته، فدخل في غيبوبة ما لبث أن توفي بعدها يوم 11 تشرين الثاني. وما أثار الإشتباه لدى الجانب الفلسطيني عدم خضوع جثمانه للتشريح ولم يتحدد سبب الوفاة ولم يتم الكشف عن سجله الطبي.
وطالب عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، واصل أبو يوسف، بتشكيل لجنة دولية للتحقيق في وفاة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات"
ووصف متحدث باسم الخارجية الإسرائيلية التقرير بأنه عمل سينمائي أكثر منه علمي، واعتبرت وزارة الخارجية الاسرائيلية أن الباحثين الذين فحصوا عينات من رفات عرفات لم يكونوا مستقلين بل تم توظيفهم في خدمة أجندة مغرضة تصب أصلاً في مصلحة أرملة عرفات سهى. وأشار الوزارة على لسان ناطقها عقب صدور التقرير إلى الخلل البيِّن في أداء الباحثين خاصة وأنهم لم يحصلوا من المستشفى الفرنسي الذي عالج عرفات قبل وفاته على ملفه الطبي بالإضافة إلى عدم تحقيقهم في الآثار البيئية التي كانت ستترتب حتماً على تعرّض عرفات لمادة البولونيوم لو حصل بالفعل علماً بأن أياً من المحيطين به لم يتأثر بها. وأكد الناطق أن الأمر بمجمله لا يعني إسرائيل مطلقاً لأنها غير مرتبطة بأي حال بوفاة عرفات.
ولكن سها عرفات، أرملة الزعيم الفلسطيني الراحل، أكدت قائلةً: "إن نتائج التقرير كشفت جريمةً حقيقية واغتيال سياسي، ولقد أكد هذا كل شكوكنا، وثبت علمياً أنه لم يتوف طبيعياً، ولدينا دليل علمي أن هذا الرجل قُتِل".
وبين تأكيدٍ ونفي تبقى الأنظار تتجه نحو إعلان اللجنة الفلسطينية في التحقيق، وكلمتها الأخيرة التي ستحدد المسار لما بعد ذلك.