جدد العلامة السيد علي الامين رفض "مشاركة حزب الله وغيره في الحرب الدائرةعلى الأراضي السورية"، داعيا الى "الإنسحاب من هذه الفتنة العمياء"، معتبرا ان "من كان مشاركاً في القتال الدائر في سوريا ليس له أن يبرر تدخله باتهام الآخرين بدعم الإرهاب"، وذلك ردا على الاتهامات التي وجهها الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله في خطابه الاخير الى المملكة العربية السعودية. ورأى أن "ما يمنع "داعش" وغيرها من التدخل في لبنان هو قيام الدولة اللبنانية بضبط حدودها ومنع السلاح والمسلحين أفراداً وأحزاباً وجماعات دخولاً وخروجاً من سوريا وإليها". واعتبر انه كان من الواجب توجيه الشكر الى مَن ساهم باطلاق مخطوفي أعزاز"، مشيرا الى ان "الرئيس سعد الحريري كان في طليعة الذين بذلوا المساعي لإطلاق سراحهم منذ اللحظات الأولى لاختطافهم." وشدد على انه "لم يعد هناك من دور لـ "حركة أمل" والمجلس الشيعي في عهد الرئيس نبيه بري"، لافتا الى ان هذا الدور أصبح مختزلاً في السنوات الماضية بمواقف ورؤية "حزب الله" المرتبط بالسياسة الإيرانية في المنطقة وظروفها".
ولفت في حديث إلى "المستقبل" أمس، الى ان "البديل الديموقراطي موجود داخل الطائفة الشيعية وليس غائباً ولكنه يحتاج في ظهوره إلى الدولة الديموقراطية الحافظة للحقوق والحامية للحريات".
وناشد رئيس الجمهورية ميشال سليمان العمل لتوسيع دائرة المتحاورين، مشيرا الى وجود "أشخاصٌ من المدعوّين الى طاولة الحوار ما زالوا يرفضون ويقمعون الرأي الآخر داخل طوائفهم وأحزابهم بقوّة السّلاح غير الشّرعي، فكيف يقبل هؤلاء بالرّأي الآخر من خارج طوائفهم وأحزابهم؟".
وتوجه الى اللبنانيين بالتأكيد لهم "لن تحمينا طوائف ومذاهب، ولا دول ولا أحزاب، ولا أكثرية ولا أقليّة، ما يحمينا فقط بعد الله ويبعد عنا الفتن هو التمسك بالدولة ووحدتنا الوطنية".
وفي ما يأتي نص الحوار:
[ ماذا قرأت في اتهامات الامين العام لـ"حزب الله" التي وجهها ضد "المستقبل" في قضية مخطوفي اعزاز وفي مسألة عودة الرئيس سعد الحريري عبر مطار دمشق؟ ولماذا يزيد الشرخ مع الطائفة السنّية باتهامه المملكة العربية السعودية بتمويل الارهاب في سوريا؟
ـ إن منطق الإتهامات، خصوصاً عندما يفتقر إلى الدليل يزيد من حالات الإحتقان الداخلي، ويساهم في رفع حدّة الإنقسامات السياسية بين مختلف الأطراف في لبنان، ومن كان في موقع المسؤولية يجب أن يبتعد عنه، ومناسبة تحرير مخطوفي إعزاز أدخلت البهجة والسرور إلى قلوب اللبنانيين كلهم، والمطلوب عند الحديث عنها توجيه الشكر إلى كل الذين ساهموا في الوصول إلى النتيجة السعيدة، وقد كان الرئيس الحريري في طليعة الذين بذلوا المساعي لإطلاق سراحهم منذ اللحظات الأولى لاختطافهم.
وحديث العودة عن طريق مطار دمشق ينعكس تصعيداً لأجواء التوتّرات الطائفية المتصاعدة في المنطقة بسبب الأحداث الجارية في سوريا، ومن كان مشاركاً في القتال الدائر هناك ليس له أن يبرر تدخله باتهام الآخرين بدعم الإرهاب.
[ يستعد "حزب الله"، وفق ما اعلنه لمعركة القلمون، ويقال انه حشد لهذه المعركة 15 الف مقاتل، بعد معركته في القصير والايحاء بانه انتصر في حربه في سوريا كما قال امينه العام، هل توريط شباب الطائفة الشيعية ما زال مقبولا برأيك في بيئة "حزب الله" كما كان سابقا وكيف يمكن تخليص هؤلاء من منطق وأوامر الولي الفقيه في هذا الشأن؟
ـ إننا نجدد رفضنا لمشاركة "حزب الله" وغيره في الحرب الدائرة على الأراضي السورية ونطالبهم بالإنسحاب من هذه الفتنة العمياء، ونحن نعتقد ان الطائفة الشيعية لا تقبل بهذا التدخل، ولم يستطع "حزب الله" أن يقنعها بمبرراته الدينية وغيرها لتغطية هذا التدخلّ على الرغم من تحويل وسائل إعلامه باتجاه التبرير وعلى رغم مساعدة حلفائه في حركة "أمل" وغيرها وسكوت المجلس الشيعي وبعض الجمعيات الدينية عن تشييع أبنائها دون السؤال لماذا يُقتلون وأين يُقتلون؟. فعلى الرغم من ذلك كله، فإن تساؤلات عدة في المدن والقرى، في البقاع والجنوب والضاحية الجنوبية، بدأت تظهر عند العديد من العائلات عن المبررات الدينية والسياسية لهذا التدخل الذي سيترك آثاراً سلبية على علاقات الشيعة بالطوائف الأخرى وخصوصاً مع الشعب السوري، والمطلوب من الدولة أن تفسح في المجال للرأي الآخر في الظهور والوصول إلى شبابنا، وأن تحمي حريات المواطنين في التعبير عن آرائهم وأفكارهم في مناطقهم بعيداً عن هيمنة السلاح غير الشرعي.
أحداث طرابلس
[ كيف تنظر الى احداث طرابلس وما يجري فيها والتحذيرات من وصول "داعش" و"جبهة النصرة" في حال لم يتم التعاطي بمسؤولية من قبل الاجهزة الامنية مع قضية الحزب العربي الديموقراطي وحادثة التفجيرين امام مسجدَي "التقوى" و"السلام"؟
ـ إن ما يجري في طرابلس وغيرها من أحداث هو من نتائج السلاح غير الشرعي المنتشر على الأراضي اللبنانية والذي لم تعمل الدولة لوضع حدٍّ لانتشاره، وقد جاءت الأحداث السورية ومشاركة أطراف لبنانية فيها لتنعكس على طرابلس حالياً وهي مرشحة للإنتقال إلى مناطق أخرى إذا لم تقم الدولة اللبنانية بواجباتها في بسط سلطتها الكاملة والوحيدة على كل الأراضي اللبنانية من دون انتظار ومن دون استرضاء أحدٍ من الأحزاب والزعماء. وما يمنع "داعش" وغيرها من التدخل في لبنان هو قيام الدولة اللبنانية بضبط حدودها ومنع السلاح والمسلحين أفراداً وأحزاباً وجماعات دخولاً وخروجاً من سوريا وإليها.
[ كيف تفسرون مواقف الرئيس نبيه بري وهل يمكن المراهنة عليه في الابتعاد عن "حزب الله" والتأسيس لمرحلة جديدة في لبنان؟ وهل يمكن للشيعة ان يجدوا في "امل" بديلا من جديد؟
ـ إن فرض "حزب الله" نظرته على المشهد الشيعي واللبناني ما كان ليحصل من دون تأييد الرئيس بري لمواقف "حزب الله" السياسية والعسكرية في لبنان وخارجه، وقد تجلّت هذه الموافقة التي وصلت إلى حدّ التبعية بالمشاركة مع "حزب الله" في محطات عدة قبل حرب تموز وما بعدها وصولاً إلى ساحة رياض الصلح وأحداث السابع من أيار وتعطيل انتخاب رئاسة الجمهورية بإغلاق المجلس النيابي، وهو بذلك كان ينفذ سياسة "حزب الله" التي ظهرت جليّاً، حتى على مستوى الإعلام والثقافة التي تخلّى عنها الرئيس بري في تنظيم حركة "أمل" لصالح "حزب الله"، بحيث أصبح "حزب الله هو المسؤول العسكري والسياسي، بل والثقافي لكل الشيعة في لبنان، ولم يعد هناك من دور لـ "حركة أمل" والمجلس الشيعي في ذلك، ولذلك يقال ان الثنائي الشيعي ("حزب الله" وحركة "أمل") في عهد الرئيس بري أصبح مختزلاً في السنوات الماضية بمواقف ورؤية "حزب الله" المرتبط بالسياسة الإيرانية في المنطقة.
تغيّر المزاج الشيعي
[ لماذا لم يتشكل حتى الآن بديل لـ "حزب الله" يمثل الطائفة الشيعية؟ هل تقرأ متغيرات في المزاج الشيعي وهل ترى بديلا ديموقراطيا متنوعا يستطيع ان يخترق الجدران التي وضعها الحزب حول الطائفة الشيعية؟
ـ نحن نعتقد أن المزاج الشيعي العام لا يزال ثابتاً على حاله في الإيمان بلبنان الوطن والعيش المشترك ومشروع الدولة الواحدة ذات السلطة الكاملة والوحيدة على أرضها وشعبها كما هو المزاج العام لدى كل الطوائف اللبنانية، وإن ظهر شيء من التغيير عند بعضهم، فهو بفعل الواجهة السياسية للطائفة الشيعية المتمثّلة ب"حزب الله" وحركة "أمل" وارتباطها بسياسات خارجية، وقد استطاعت هذه الواجهة أن تطبع عموم الطائفة بطابعها من خلال وكالة حصرية عن الطائفة حصلت عليها بالقوّة بمباركة من الدولة والقوى السياسية من ١٤ آذار وغيرها من القوى التي تقاسمت السلطة مع الثنائي الشيعي على أساس المحاصصة الطائفية وحصرية التمثيل للطائفة الشيعية بحَمَلَة السلاح. والبديل الديموقراطي أو الفريق المتنوّع موجود داخل الطائفة وليس غائباً ولكنه يحتاج في ظهوره إلى الدولة الديموقراطية الحافظة للحقوق والحامية للحريات وإلى القوى السياسية التي تؤمن بأن دولة القانون والمؤسسات لا ينحصر بناؤها والعبور إليها بالذين أسقطوها وشهروا السلاح بوجهها.
[ ما هو دور رجال الدين الشيعة المتنورين، ولماذا لم يستطيعوا إحداث تغيير في المزاج الشيعي وكيف يمكن لهم لعب دور في هذا الاطار مع القوى السياسية الاخرى والشخصيات الشيعية التي لا تتفق مع حكم ولاية الفقيه؟
ـ إن دور رجال الدين المتنورين مختلف في درجة معارضته لقوى الأمر الواقع، فمنهم من تعرض لبطشها ومنع من التواصل مع القواعد الشعبية، ومنهم من يخشى التعرض لبطشها إذا رفع سقف معارضته، ومنهم من يكتفي بالقول إنه ضد نظرية ولاية الفقيه في علم الفقه من دون أن يُبدي معارضة لنظام ولاية الفقيه والأحزاب التابعة له والمنفذة لسياسته في لبنان والمنطقة، وعلى كل حال إن القوى السياسية الأخرى داخل الطائفة وخارجها هي التي لم تنفتح على رجال الدين الذين يحملون الرؤية الدينية المنفتحة والتي تعمل لنشر الآراء الجامعة لكل اللبنانيين وتعزيز ولائهم للوطن بعيداً عن الولاءات الخارجية.
الدعوة إلى الحوار
[ كيف تنظر الى اداء رئيس الجمهورية ودعوته الى الحوار، وهل بالامكان اللجوء الى قرارات تنقذ لبنان، مثل تشكيل الحكومة واجراء انتخابات نيابية قبل انتخابات الرئاسة؟
ـ نحن من الذين عقدوا الآمال الكبيرة على خطاب القسم لفخامة رئيس الجمهورية في إعادة الثقة بلبنان من خلال إعلانه محاربة الفساد وإزالة هيمنة السلاح غير الشرعي والعمل لبناء دولة المؤسسات والقانون، ونأمل فيما تبقى من ولايته أن يحقق الشيء الكثير، ونحن نرى في دعوة فخامته إلى الحوار خطوة مهمة لجمع الأطراف السياسية مع الأخذ في الإعتبار أن الحوار إنّما يطرح في الأساس من اجل جني الثّمار وليس مطلوباً لنفسه ولذلك لا بدّ من السّعي لتوفير الآليات لنجاحه بالنّظر في أشخاصه وموضوعاته وظروفه، فهناك أشخاصٌ من المدعوّين ما زالوا يرفضون ويقمعون الرأي الآخر داخل طوائفهم وأحزابهم بقوّة السّلاح غير الشّرعي، فكيف يقبل هؤلاء بالرّأي الآخر من خارج طوائفهم وأحزابهم ؟!. ولذلك نحن نجدد مطالبتنا لفخامة رئيس الجمهوريّة العماد ميشال سليمان بتوسعة الدّعوة الى الحوار لتشمل كلّ القوى والآراء، وأن لا تقتصر على القوى السّياسيّة التي كان بعضها سبباً من أسباب تعطيل الحوار في الماضي.
الخطر على الأقليات
[ هل من خطر على الاقليات الطائفية في المشرق وما هو حال الطائفة الشيعية ومصير العلويين في سوريا في حال اشتعلت الفتنة المذهبية؟
ـ إن خطر الفتنة على تقدير اندلاعها-لا سمح الله- لن يوفر أكثريات وأقلّيات في المنطقة، ولذلك فإن المطلوب من المجتمع الدولي والدول العربية والإسلامية العمل لوقف معاناة الشعب السوري بكل فئاته ومنع وقوع الفتنة التي لن تقتصر أخطارها على سوريا وحدها، ويجب علينا نحن في لبنان أن نعمل لتجنيب بلادنا الفتنة من خلال الإجتماع على مشروع الدولة الواحدة ومطالبتها ببسط سلطتها على كامل أراضيها، ولن تحمينا طوائف ومذاهب، ولا دول ولا أحزاب، ولا أكثرية ولا أقليّة، ما يحمينا فقط بعد الله ويبعد عنا الفتن هو التمسك بالدولة ووحدتنا الوطنية.
حاورته: فاطمة حوحو