استطاع القدر بشراسته أن يقتلع أرزة شامخة من أرز لبنان العظيم، أرزة امتدت بجذورها المباركة إلى بيت كل لبناني..فغيّب الموت مساء الجمعة 11-10-2013 عملاق الغناء العربي الفنان الكبير وديع الصافي عن عمرٍ يناهز ال 92 عاماً من العطاء اللامحدود.
الفنان الكبير وديع الصافي من مواليد 24 تمّوز عام 1921، هو من عمالقه الطرب في لبنان والعالم العربي، كان له الدور الرائد بترسيخ قواعد الغناء اللبناني وفنه، ونشر الأغنية اللبنانية في أكثر من بلد.اقترن اسمه بلبنان، وبجباله التي لم يقارعها سوى صوته الذي صوّر شموخها وعنفوانها.
ولد في قرية نيحا الشوف وهو الابن الثاني في ترتيب العائلة المكونة من ثمانية أولاد وكان والده بشارة يوسف جبرائيل فرنسيس رقيباً في الدرك اللبناني.فاز بالمرتبة الأولى لحناً وغناءً وعزفاً، في مباراة للإذاعة اللبنانية، ومنها كانت انطلاقته الفنية سنة 1938.
وتزوج سنة 1952 من ملفينا طانيوس فرنسيس، إحدى قريباته، فرزق بدنيا ومرلين وفادي وأنطوان وجورج وميلاد.
استطاع أن ينهض بالأغنية اللبنانية انطلاقاً من أصولها الفولكلورية، من خلال مهرجانات بعلبك التي جمعت العملاق وديع الصافي، وفيلمون وهبي، والأخوين رحباني وزكي ناصيف، ووليد غلمية، وعفيف رضوان، وتوفيق الباشا، وسامي الصيداوي وغيره، في أواخر الخمسينات.
يحمل الصافي ثلاث جنسيات المصرية والفرنسية والبرازيلية، إلى جانب جنسيته اللبنانية، الاّ أنه يفتخر بلبنانيته ويردد أن الأيام علمته بأن ما أعز من الولد الا البلد.
مع بداية الحرب اللبنانية، غادر وديع لبنان إلى مصر سنة 1976، ومن ثمّ إلى بريطانيا، ليستقرّ سنة 1978 في باريس. وكان سفره اعتراضًا على الحرب الدائرة في لبنان، مدافعًا بصوته عن لبنان الفن والثقافة والحضارة. فكان تجدّد إيمان المغتربين بوطنهم لبنان من خلال صوت الصافي وأغانيه الحاملة لبنان وطبيعته وهمومه. منذ الثمانينات، بدأ الصافي بتأليف الألحان الروحية، نتيجة معاناته من الحرب وويلاتها على الوطن وأبنائه واقتناعًا منه بأن كلّ اعمال الإنسان لا يتوّجها سوى علاقته باللّه.
غنّى للعديد من الشعراء، خصوصاً أسعد السبعلي ومارون كرم، وللعديد من الملحنين أشهرهم الأخوان رحباني، زكي ناصيف، فيلمون وهبي، عفيف رضوان، محمد عبد الوهاب،فريد الأطرش ورياض البندك ، ولكنّه كان يفضّل أن يلحّن أغانيه بنفسه لأنّه كان الأدرى بصوته، ولأنّه كان يُدخل المواويل في أغانيه، حتّى أصبح مدرسة يُحتذى بها. غنّى الآلاف من الأغاني والقصائد، ولحّن منها العدد الكبير.
سنة 1990، خضع لعملية القلب المفتوح، ولكنه استمر بعدها في عطائه الفني بالتلحين والغناء. فعلى أبواب الثمانين من عمره، لبّى الصافي رغبة المنتج اللبناني ميشال الفترياديس لإحياء حفلات غنائية في لبنان وخارجه، مع المغني خوسيه فرنانديز وكذلك المطربة حنين، فحصد نجاحاً منقطع النظير أعاد وهج الشهرة إلى مشواره الطويل. لم يغب يوماً عن برامج المسابقات التلفزيونية الغنائية قلباً وقالباً فوقف يشجع المواهب الجديدة التي رافقته وهو يغني أشهر أغانيه.
كرّمه أكثر من بلد ومؤسسة وجمعية وحمل أكثر من وسام استحقاق منها خمسة أوسمة لبنانية نالها على عهد الرؤساء كميل شمعون، فؤاد شهاب وسليمان فرنجية والياس الهراوي. أما الرئيس اللبناني اميل لحود فقد منحه وسام الأرز برتبة فارس. ومنحته جامعة الروح القدس في الكسليك دكتوراه فخرية في الموسيقى في 30 حزيران 1991. كما أحيا الحفلات في شتّى البلدان العربية والغربية.
وستقام مراسم جنازة الفنان الكبير عند الرابعة من بعد ظهر الاثنين المقبل، في كاتدرائية مارجرجس في وسط بيروت، على أن يتم تقبل التعازي قبل الدفن وبعده يوم الاثنين في صالون الكاتدرائية، ويومي الثلاثاء والأبعاء 15 و16 الجاري من الساعة الحادية عشرة قبل الظهر وحتى السابعة مساء.
فوداعاً يا صفوة قلوب اللبنانيين، ستبقى خالداً فينا، فالعظماء لا يموتون، وسيحسدنا أولادنا وأحفادنا لأننا عشنا في زمن العمالقة. بأمان الله يا أبانا العظيم، يا من ربّانا على الإيمان بأن وطننا لبنان قطعة مباركة من سماء الرب..