"داعش" هي كلمة فارسية تعني الاندفاع، وهي اسم جديد يقتحم ملفات الأزمة السورية، وهو دلالة على ما يسمى بدولة العراق والشام. "الدولة" كما تسمي نفسها و"داعش" كما يسميها خصومها هي التنظيم الذي أسسه أبو مصعب الزرقاوي في العراق، وأعاد هيكلته البغدادي في العام 2006 من 26 فصيلاً من بينها تنظيم "القاعدة" باتينفرد بالسيطرة، تقريباً، على شريط استراتيجي يمتدّ من ريف اللاذقية في الغرب حتى الحدود مع العراق في الشرق السوري.
من جهته ابتكر التنظيم لنفسه في المواجهة المعلنة أساليب ترويجية جديدة في حلب باستخدام "الخيم الدعائية" في عدة مناطق من سوريا، منها حلب وريفها.
ويسود مناطق تواجد داعش جو من التوتر الشديد وترقب للحظة الانفجار الكبير بينها وبين خصومها الكثيرين، بدءاً من السكان المدنيين وانتهاءً بوحدات الجيش الحر وحركة أحرار الشام ولواء الإسلام وغيرها من المجموعات السلفية الجهادية. ويثير وجود التنظيم في المناطق السكنية استياء عدد كبير من السوريين، خصوصاً بعد تدخلهم في الحياة العامة وفرضهم قيوداً على السكان الذين يحاولون باستمرار اللجوء إلى كتائب الجيش "الحر" لحمايتهم من سلطة التنظيم القاسية.
ومنذ الانشقاق الذي وقع، قبل أشهر، بين جناحي منظمة القاعدة في سوريا، جبهة النصرة ودولة العراق والشام الإسلامية "داعش"، لم نسمع عن هذه الأخيرة التي نمت على حساب الأولى، غير أخبار اختطاف النشطاء السلميين المعارضين للنظام وتصفية بعض منهم، والحرب المفتوحة على الكرد في بعض مناطق تواجدهم في شمال سوريا، واغتيال عدد من قادة مجموعات الجيش الحر، وعلى الرغم من أن «جبهة النصرة» مصنفة أميركيا من بين الجماعات الإرهابية فإنها تحظى بقبول شعبي في المجتمع السوري أكثر من «دولة العراق والشام الإسلامية»، بسبب انتماء عدد كبير من السوريين إليها، على نقيض «الدولة» التي يشكل «الأجانب» النسبة الأكبر من مقاتليها.
وتعليقاً على الدور الذي تلعبه جبهة النصرة وتنظيم دولة العراق والشام في سوريا أوضح عضو المكتب الإعلامي في الائتلاف الوطني السوري محمد السرميني أن لديهم معلومات أكيدة أن كثيراً من الشخصيات في هذين التنظيمين على علاقة مع أجهزة مخابرات النظام، وأن المخابرات الإيرانية لها دور في تأسيس تنظيم دولة العراق والشام الإسلامية وأن هذين التنظيمين يخدمان مصالح النظام، وأشار إلى أن النظام عندما عجز عن السيطرة على المناطق التي تخضع للجيش الحر والفصائل التي تعمل تحت لوائه، اضطر إلى إيجاد هذه الجماعات التي تأخذ الشكل الإسلامي لتخترق هذه المناطق وتسيطر عليها، وكثير من المراقبين يتساءلون عن مصادر تمويل وتسليح هذه الجماعات (دولة العراق والشام ضد النظام وجبهة النصرة)، وأضاف السرميني أن هناك أيضاً تمييزاً بين هذين التنظيمين ويوجد خلافات جوهرية بينهما.
بينما رأى آخرون بأن "داعش" فيها روح من المشروع الأميركي – الأوروبي، وهي فرع طفيْليّ آخر لتنظيم القاعدة الماسوني الجذور والذي اخترعته وكالة المخابرات المركزية الأميركية ليصبح الذريعة والمبرّر لتنفيذ برامج التوسع والسيطرة على العالم في ما بعد وهيمنة سياسية ونهب اقتصادي ووضع اليد على ثروات النفط والغاز والأسواق.
وعلى الرغم من أن العدو المعلن للجماعات الإسلامية المقاتلة في سوريا هو نظام الرئيس السوري بشار الأسد، فإن وتيرة الاشتباكات المتقطعة بين الإسلاميين ومقاتلين ينتمون إلى الجيش الحر تصاعدت في الآونة الأخيرة، وكانت آخرها اشتباكات أعزاز، شمال حلب. وباتت سوريا، مع طول أمد الصراع العسكري بين المعارضة والنظام، ملاذاً لعدد كبير من الجماعات الإسلامية، لكن تنظيم «دولة العراق والشام الإسلامية» إضافة إلى جبهة «النصرة» يعتبران التنظيمين الأكثر قوة على هذا الصعيد. وفي حين يتمركز مقاتلو «الدولة» في مدن حلب والرقة ودير الزور، ينتشر مقاتلو «النصرة» في مدينة درعا جنوب سوريا.
وتمكنت «دولة العراق والشام الإسلامية»، وفق ما يقوله الداعية والخبير اللبناني في الجماعات الجهادية عمر بكري فستق، لـ«الشرق الأوسط» من تصدر الجهاديين في الشام، لأنها «رفعت شعار تطبيق الشريعة منذ اليوم الأول لدخولها ساحة الصراع السوري». ويعتبر فستق أن «الدولة» لم تكرر خطأ جبهة النصرة في التحالف مع الجيش الحر قبل أن تفترق عنه لاحقاً.
في المقابل، يعزو ناشطون معارضون سبب الخلاف بين تنظيم «دولة الإسلام» والجيش الحر إلى عدم الاتفاق على مبادئ القتال. حيث ينطلق المقاتلون الإسلاميون من أجندة جهادية إسلامية لا تعنيها قيم الثورة ضد النظام القائم، بقدر ما يعنيها تحقيق هدفها بتأطير الحراك الإسلامي تمهيداً للوصول إلى الخلافة الإسلامية.