حدثني صديقي عن جدته كيف أنها كانت تلتقي " بالصالحة " , والصالحة بمخيال الناس هي عبارة عن امرأة مؤمنة تظهر للمؤمنين ليلا مرتدية ثوبا ابيضا , والثوب الابيض هو عبارة عن الايمان السلام والاطمئنان , ولا تظهر "الصالحة" لغير المؤمنين , كان صديقي يروي لي ليؤكد ان جدته الصابرة المحتسبة التي سافر زوجها وتركها منتظرة له اكثر من اربعين عاما , هي مؤمنة تقيّة فاعطاها الله هذه النعمة لصبرها واحتسابها فأمست وأصبحت صديقة " للصالحة" .
وحدثتني أم حسن عن امها انها قالت لها : ان " الصالحة " كانت تحضر كلما حان وقت جنيّ العسل من النحل الذي كانت تباركه الصالحة " وتحميه كل يوم من الدبابير البنيّة المرقطة بالاصفر , لتأخذ حصتها من العسل , واذا لم يُحسب لها المقدار المفروض تبدأ " الصالحة " بالصراخ حتى تُعطى ما تريد , وأحيانا كانت تأتي اول الليل وتبقى الى الصباح على باب الدار مكتفية بالأنين أشارة الى انها موجودة.
"والصالحة " برأي الكثير من الناس أنها جنيّة مؤمنة , ترافق المؤمنين الصلحاء في أوقات فراغهم , تحدثهم , تفرّج عنهم كربهم وهمومهم , وتكاد لا تجد قرية من قرانا الا ويحدثك أهلها عن " الصالحة " وثمة مقولة تتداول بين الناس وخاصة كبار السن تقول : " يا سعدو من يرى الصالحة ".
صديقي يروي روايته مطمئنا بأن حديثه سوف يقع تحت اعجاب السامعين , ككثير من المحدثين من رجال الدين ومن الناس الذين تربوا على ايدي رجال دين , عوّدوا الناس على هكذا خرافات واساطير , وهم يعتقدون أو يحسبون انهم يحسنون صنعا , اثناء سير صديقي بالحديث التفت الي وقد أحسّ بانني غير مكترث لحديثه الخرافي , توقف ووجه الي سؤالا , يا مولاي : هل أن قصة "الصالحة" هذه المروية في مجتمعنا بكثرة هل هي قصة صحيحة وواقعية أم لا ؟
في الواقع ما " الصالحة " الا وهم من أوهام الناس , ومن خيالات النفس الغير مطمئنة التي تعاني من أزمات اجتماعية , كمجتمعنا الذي لا يعرف الانسان فيه طريقا للاطمئنان , مجتمعنا المتلبد بالازمات التي تمطر ازمات فوق ازمات . من هنا تعرف منشأ تشكل الخرافة والاسطورة في مجتمع يخاف من كل شيء بل يحيط به الخوف القهري من كل حدب وصوب , مجتمع سُلبت منه كرامة الانسان وحرية الانسان , مجتمع ساد فيه الهرج والمرج من كثرة الشعارات الدينية المتناقضة مما ادى الى ضياع الناس في متاهات كأنها حزورة في مجلة للتسلية .
الخرافة التي تشكلت على ايدي تجار الدين الذين يتاجرون بأحاسيس وعواطف الناس الطيبين المؤمنين صدقا , أكثر بكثير من هؤلاء التجار من رجال الدين الذين يصرون على خرافاتهم واساطيرهم ويستعملونها كبضاعة مزجاة , يقدمونها كمخدّر اجتماعي خدمة للزعامات السياسية التي بدورها تعطي لهم مناصب ومراكز ووظائف سلطانية , وتغدق عليهم من الاموال المجباة بعناوين نشر الدين والتوعية الدينية , بدل نشر العلم والتوعية الانسانية والاجتماعية . أصبحت الاسطورة والخرافة مطلب للناس من أجل الهروب من واقع تحول الى كابوس حط ّ رحاله على يوميات المواطن , حيث أصبح لا يرى المواطن اللبناني سوى كوابيس انىّ ذهب وأنىّ رحل ....!!!
الخرافة مطلب للناس من أجل الهروب من واقع تحول الى كابوس
الخرافة مطلب للناس من أجل الهروب من واقع تحول الى...السيد ياسر ابراهيم
NewLebanon
مصدر:
لبنان الجديد
|
عدد القراء:
970
عناوين أخرى للكاتب
مقالات ذات صلة
ديوان المحاسبة بين الإسم والفعل ( ٨ ) سفارة لبنان في...
الشاعر محمد علي شمس الدين يترجل عن صهوة الحياة الى دار...
ديوان المحاسبة بين الإسم والفعل (7) سفارة لبنان في...
ديوان المحاسبة بين الإسم والفعل (6) سفارة لبنان في المانيا...
65% من المعلومات المضللة عن لقاحات كوفيد-19 نشرها 12...
لبنان: المزيد من حالات وارتفاع نسبة...
ارسل تعليقك على هذا المقال
إن المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس بـالضرورة سياسة الموقع
© 2018 All Rights Reserved |
Powered & Designed By Asmar Pro