مما لا شك فيه هو وجود فارق كبير بين العقل العربي والعقل الفارسي , وان لكل منهما تجلياته التي تدل على هذا الفارق وعلى هذا التمايز , وليس المراد هنا من هذه الاشارة هو الاساءة كما يحلو للبعض ولا حتى المفاضلة بل مجرد التوصيف ليس الا , بدون ان نغفل حتما ما لهذا التمايز من ترجيح لاحدهما على الاخر في موضوعات معينة وما له بالتالي من تبعات , خاصة اذا ما دخلنا في عالم السياسة فسريعا ما نتلمس براغماتية العقل الفارسي والتي تكاد معدومة او في افضل الاحوال مضمحلة في اليات تفكير العقل العربي , لان هذا الاخير لا يزال محكوما بشكل كبير لعوامل الخيال والاسطورة والقائد التاريخي وغيرها فيما الاول مثقل بتجارب الواقع بحيث اصبح يتعاطى معه بكل موضوعية وبعيدا عن اي ادعاءات فارغة , وكمثال على ذلك فمن المستحيل مثلا ان تجد في التاريخ العربي الحديث قائدا او زعيما يقف ليخاطب شعبه بكل شفافية ويعترف بالهزيمة كما فعل الامام الخميني وهو في اوج زهوه الثوري عندما وقف في اب 1988 ليعلن على الملأ رضوخه للقرار الدولي 598 معبرا بمقولته المشهورة بانه يتجرع كأس السم , ولم يصف هذا الرضوخ لا بالنكسة ولا بالنكبة وطبعا لم يعتبره نصرا الهيا يحتفل به !, ومن هنا نستطيع ان نطل على المرحلة " الروحانية " ( نسبة للرئيس حسن روحاني ) الجديدة ان من حيث الانفتاح العلني على " الشيطان الاكبر " وتبادل رسائل الود معه او من خلال الحج المرتقب وما يتضمنه من زيارة للقصور " الوهابية " وصولا الى عرض لعب دور الوسيط في الازمة السورية المشتعلة منذ اكثر من عامين مما يعني التخلي عن الدور كطرف فيها ,, ومما يميز هذه المرحلة " الروحانية " عن سابقتها " الخاتمية " المشابهة انها تجيئ كما يقول العارفون بالشأن الايراني كانعكاس لرغبة الولي الفقيه نفسه وليست متعارضة معه مما يعني بان فعاليتها ستكون قابلة للحياة مما يثير السؤال الطبيعي عن امكانية حزب الله في لبنان لمجارات هذا التحول الكبير في سياسات اولي الامر والذي يفرضه حاجات محض ايرانية , وهل سيمارس امين عام الحزب في خضم هذا المتغير دور الجندي المنفذ فقط فنشهد تحول في سلوكه ايضا ام ان العقلية العربية ستلعب دورها في هذا المضمار , فتتغلب راديكالية السيد حسن على المشهد , خاصة بعد ان صار يُعتبر واحدا من اللاعبين الكبار في صراع الاجنحة بالداخل الايراني مما يفسر لنا هذا التغني المستجد باسم قاسم سليماني على حساب اسم المرشد , مما يعني احتمال ان نشهد تكرار تجربة احمدي نجاد لكن في لبنان ؟؟ هذا ما سوف تجيب عليه القادم من الايام .