زائر الضاحية الجنوبية هذه الأيام يظن للوهلة الاولى أن زحمة السير عند مداخلها المتعددة ناجمة عن حركة اقتصادية تكاد لا تضاهيها أي من المناطق اللبنانية خصوصاً وانها عُرفت خلال السنوات الماضية كإحدى أهم الأسواق التجارية المتنوّعة حيث فيها المطاعم والاستراحات وأسواق الخضار والملاعب المستحدثة لمزاولة لعبة كرة القدم إضافة إلى المحلات المتخصصة ببيع قطع السيّارات الجديدة والمستعملة وهو القطاع الأضخم والذي يُميّز الضاحية عن غيرها من المناطق. لكن ما أن تطأ قدماك أرض الضاحية وتحديداً أسواقها المتعددة، حتّى يتبين لك أن الزحمة هذه ليست ناتجة عن حركة خير وبركة لا على التجار ولا أهاليها بل عن حواجز الامن الذاتي آخر بدع "حزب الله" الأمنية والتي تسببت لأهالي المنطقة في ضيق بالحالة الاقتصادية فما عادت الضاحية تلك المنطقة التي يقصدها اللبنانيون من شمالهم إلى جنوبهم لابتياع حاجياتهم من أكل وملبس ولا عادت المنطقة التي سُميّت ذات يوم بـ"أم الفقير" بعدما أصبحت عنواناً للفقر والعوز. بعد عبورك للحاجز الجديد الذي أقامه "حزب الله" على بعد امتار قليلة من محلّة المشرفيّة نزولاً باتجاه أوتوستراد هادي نصر الله لاستطلاع الحالة الاجتماعية التي يعيشها الاهالي منذ فرض عليهم أمن لم يجلب لهم راحة البال ولا الامان، تنعطف يساراً باتجاه سوق معوّض ليبدو لك خالياً من كل شيء إلا من بعض العناصر الموزّعة على الأرصفة التي تقاسمتها هي الأخرى عناصر حركة "أمل" و"حزب الله" وكأنها مقاهٍ للعب الورق في مشهد يسترجع من خلاله السكان صور من زمن الحرب وقد يخطر في بالك أن قنّاصة ما هي التي أفرغت الشوارع من مرتاديها وبالتالي عليك أن تقطع الطريق بأقصى سرعة كي لا يطالك القنّاص. إجراءات أمنية، مظاهر مسلحة، استنفار للشباب، حاجز طيّار، عبارات تتردد إلى مسامعك بشكل دائم لكنها حتماً لا تُشبع جوعاً ولا تروي ظمأً، وحدها جملة "استغفر الله العظيم خربتولنا بيوتنا" تختصر المعاناة التي يعيشها التجار وأصحاب الدكاكين الصغيرة. يسأل أبو عدنان (صاحب محل لبيع الألبسة) جاره شو ناشفي كمان؟ فيجيبه "الله كبير", يهز برأسه وكأنه يخشى أن يُعيد ما سمعه كي لا يُتهم بما لا طاقة له على تحمّله. ثوان معدودة تتوقف سيارة أمام محله يحاول إزاحة حاجز برجله مصنوع من البلاستيك علّها تُفلح صاحبة السيارة في ركنها لكن صوت "أبو الجماجم" يُرعبهما معاً فتُسرع السيدة بمغادرة المكان قبل ان تنهال عليها الشتائم وفي هذه الحال ليس امام ابو عدنان سوى الإستعانة بجملة "استغفر الله العظيم". أما أبو محمود صاحب دكّان يقع على مقربة من مطعم "الزغلول" فحاله ليست أفضل من أبو عدنان فهو الآخر أصابته الحواجز الحزبية في صميم عمله ما اضطره إلى إقفال الـ"ميني ماركت" لأكثر من اسبوعين نتيجة الإجراءات المتشددة التي تفتعلها العناصر في كل مرّة يطلب فيها بضاعة جديدة، فيقول: كان الشغل ماشي كتّر خير الله، لكن بعد إقامة هذه الحواجز ولله الحمد ممازحاً، لم تدخل الرزقة إلى كل مناطق الضاحية وليس إلى "دكّاني" فقط". والسبب كما أفدنا أبو محمود هو أن العناصر الحزبية لا تُسهّل عملية إدخال البضائع للتجار على الإطلاق لا بل انها تُخضع شاحناتهم لتفتيش دقيق ومركّز في كل مرّة يريدون الدخول إلى الضاحية عندها امتنع هؤلاء عن الدخول ولنُصبح نحن مجبرين على التوجه بأنفسنا إلى المخازن لنبتاع حاجياتنا، وانا فرد من الذين قرّروا إغلاق مصالحهم حتّى الله يفرجها". يصادفك في عمق الضاحية، أُناس يشغَلهم البحث عن رزق لم يعد متوافراً كما سبق وتوفّر بعد حرب تموز 2006، فيومها انفرجت اسارير الاهالي بالمال الإيراني، إعمار، مال ووفرة في الأشغال، كما شُيّدت في المنطقة يومها مبان فخمة، مقاهي الرصيف، مولات مطاعم ومنتجعات، من أين؟ ليس لك ان تسأل طالما ان "الطهارة" و"النظافة" كانا العنوانين الأساسيّين لتلك المرحلة. وهنا يوصّف أو يُلخّص صاحب أحد المقاهي الواقعة لجهة طريق المطار الحالة التي وصل اليها الاقتصاد في الضاحية ببضع كلمات، "نعم لقد تبرّعت لنا ايران بعد حرب تموز عن طريق الحزب بالمال لكن يبدو أن تلك الدفعات لم تكن سوى مجرّد مسكّن ننام لحظة تناوله لنستيقظ لاحقاً على وضع مرّ ومجموعة من الآلام، وما يحدث اليوم هو أول الغيث". اما صاحب مقهى، فجل ما يستشعره بحسب قراءته الخاصة لما يجري أن هناك خطّة ممنهجة يريد "حزب الله" من خلالها تعبئة جمهوره وحقنه إلى يوم يحتاجه فيه سواء ضد الداخل او الخارج، "برأيي أنه بين وفرة المال الذي سبق للحزب ان أغرق فيه بعض سكان الضاحية وبين ما يفعله اليوم معهم، يصح القول إن الضاحية خرجت من مرحلة الاكتفاء الذاتي ودخلت في مرحلة جديدة اسمها الامن الذاتي". ولشريكه أيضاً سؤال مشروع من شأنه ان يفتح باب الحالة الاجتماعية في الضاحية على مصراعيه، "هل لك ان تُفسّر عودة السكان للوقوف مجدداً على أبواب مؤسسات القرض الحسن التابعة للحزب؟". نترك عمق الضاحية وننسحب بحذر إلى أطرافها وتحديداً إلى منطقة الغبيري حيث المصدر الاكبر والاهم لبيع قطع السيّارات في لبنان، نسأل أحد العمال المسؤولين لدى مؤسسة هي الأضخم في هذا القطاع عن حجم الأضرار التي لحقت بالمؤسسة من جرّاء الامن الذاتي وملحقاته؟ "كان يعمل لدينا اكثر من خمسين عاملاً معظمهم من التابعية السورية، لكن إذا قمت بجولة على "محلاتنا" فلن تجد اكثر من عشرة عمّال أو اكثر بقليل والسبب ان معظم هؤلاء فضّلوا عدم الدخول غلى الضاحية الجنوبية لأسباب تتعلق بالمضايقات التي يتعرضون لها يومياً، أما البعض الاخر قررنا الاستغناء عن خدماتهم بعد الخسائر الماديّة التي تعرضنا لها بسبب الأمن الذاتي أو كما يُسموه زبائننا الأرمن الحصار الذاتي". ولسائقي السيارات العمومية على خط الضاحية "حصة الاسد" من الأمن الذاتي، فالمقاعد فرغت من ركّابها بعدما فضّل هؤلاء الاتكال على أرجلهم على أن يُضيّعوا يومهم في زحمة الحواجز والتفتيش الإجباري وعن الأقساط الشهرية المتوجبة على السائقين؟ يُجيب أحدهم: بس يطالبني البنك رح ابعتهن عند "حزب الله". وفي الضاحية أيضاً سُكّان أصليّون لا قُرى لهم ولا بيوت خارجها، كل أرزاقهم هنا، بيوت، محال، متاجر، شركات وعقارات، جميعها معرّضة للتوقف عن العمل إن لم يكن الإفلاس، كل هذا ولا من مجيب أو من يُغيثهم وبما ان الشكوى لغير الله مذلّة، يُردد سكان الضاحية "استغفر الله العظيم". هنا الضاحية. نعم إنها الضاحية الجنوبية التي لطالما تغنّت بها قيادة "حزب الله" لكنها اليوم لم تعد كذلك، فالعزة والكرامة قد انتُهِكتا عند أقدام رجال المقاومة التي كان السيد حسن نصر الله قد توعّد الجيش الإسرائيلي بأن تنهار عندهم دباباته وضباطه وجنوده والصرخات الممزوجة بالألم التي تخرج من الاهالي والتي يرتطم صداها بجدار الحواجز الإسمنتية، لا بد أن يأتي يوم وتنتزع قرارها من "فم الأسد".
تجار الضاحية لـحزب الله: خربتولنا بيتنا
تجار الضاحية لـحزب الله: خربتولنا...لبنان الجديد
NewLebanon
مصدر:
لبنان الجديد
|
عدد القراء:
1433
مقالات ذات صلة
ديوان المحاسبة بين الإسم والفعل ( ٨ ) سفارة لبنان في...
الشاعر محمد علي شمس الدين يترجل عن صهوة الحياة الى دار...
ديوان المحاسبة بين الإسم والفعل (7) سفارة لبنان في...
ديوان المحاسبة بين الإسم والفعل (6) سفارة لبنان في المانيا...
65% من المعلومات المضللة عن لقاحات كوفيد-19 نشرها 12...
لبنان: المزيد من حالات وارتفاع نسبة...
ارسل تعليقك على هذا المقال
إن المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس بـالضرورة سياسة الموقع
تعليقات الزوار
الله يحميكي سورية
الإسم: haasn amin
14 أيلول 2013
الحق على السوريين أكلو البلد وخربو سوريا ولبنان بدن يعملو ثورة الله يلعنن ملا شعب باعوا وطنن بأموال الخليجيين
الإسم: محمد
14 أيلول 2013
الذي كتب المقالة هو انسان تافه والتجار اذا صدق صاحب المقالة هم ايضا تافهون , اليس افضل من ان يخترب بيتكم من جراء التفجير ؟؟؟؟أو انكم تحاولون مزج بضائعكم بالممنوعات من اسلحة و مخدرات ؟؟؟
الإسم: petro panayoti
14 أيلول 2013
إن موقع لبنان الجديد لا يتحمل مسؤولية التعليقات وغير مسؤول عنها.
© 2018 All Rights Reserved |
Powered & Designed By Asmar Pro