حين يتسسلل النور عبر الثقوب الضيقة إلى مساحات العتمة يكون غريب الحضور..

حين تنفر من بين الصخور قطرة وحيدة تكون مرّة رغم عذوبتها الأولى ..

حين تنبت زهرة في الصحراء يتهامس الشوك تهكّماً : " زهرة لقيطة ".

.. يستفزّني الفرح ويثير في كياني زوابع الفقد والانكشاف الصعب, حين يأتي غريباً لينكأ الجراح المفتوحة، ويعرّيني من كلّ ما تلبسته روحيّ في مواجهة الصقيع المستمر ..

استقبلت العيد مطويّاً على الأيام والذكرى، واستعدت وجه القدر مرّة أخرى، وعلى حين غرّة رأيتني مدفوعاً نحو نافذتي يقودني الصوت وتشوقني الصورة, لأرى أطفالاً يملأون الشارع بالشغب البريء، والفرحة الصاخبة تنضح من وجوههم، والانهماك المجرّد من الهمّ يشغلهم ..وأجمل ما فيهم كانت "ثياب العيد".

أعادتني ملابسهم الجميلة إلى ساحل العمر إذ كنت مثلهم شديد الفرح بتلكم الثياب، وأذكرها ليلة العيد  حيث كانت تبيت بجانبي, وما إن ترفع الشمس نقاب النهار، أسارع لارتدائها بعد عناء الانتظار وأزهو بها كطاووس صغير, وأحاذر عليها من حبيبات الغبار وشيطنة رفاق الحي  ..

ربما كانت هذه الملابس يومذاك بعضاً من طقوس التمرّد على اليتم والحزن, وسلاحاً لمواجهة الخوف والوحدة، وربما كنت أراها إكسيراً للحياة في حضرة الموت، وإعلاناً لايماني المبكّر أنّ العيد للأحياء ولو كان سرير شمسه عند مراقد الموتى!.

 أمام مشهدية أطفال العيد ساورني الشك، تساءلت, تُرى هل بعضهم يقنّع حزنه بملابسه الجديدة؟! هل بعضهم يحاول القفز فوق جمر الحقيقة ليعبر إلى مأمن للروح ولو من سراب !.. ثم يا لروعة هذه الثياب التي يواجه بها الأطفال غباوة الحياة وقسوتها.. 

ولكن ماذا عن الذين استبدّت بهم النوائب فسرقت فرحة العيد من أعينهم، وشحّت يد الحياة فحرمتهم حتى الثياب الجديدة؟!..

ماذا عن الفقراء, والأيتام, والمعدمين, والجوعى من الأطفال؟ ماذا عن المهجرين من بيوتهم, والمشردين من أوطانهم؟ ماذا عن الذين سرقت منهم حروب القساة ألعاب الطفولة وبراءتها؟!.. 

ماذا عن كلّ العيون الغارقة بالدمع,والقلوب المسكونة بالحزن؟ ماذا عن الذين افترشوا آهاتهم على قبور أحبتهم وفي قلوبهم حسرة لا يعفو أثرها الزمان, ماذا عن الإنسان في هذا الزمن الجاهلي المقيت؟!.

 

 يا أحبائي الأطفال الذين ارتديتم ثياب العيد, ويا أحبائي الذين حُرمتم ارتداءها.. من قلبي المحبّ وعينيّ الدامعة .. كلّ عيد وأنتم فرح أعيادنا ..

 

 

                                                  

                                          بقلم الشيخ محمد أسعد قانصو