السياسية والاجتماعية والثقافية بعيداً عن احتكار الصفة الدينية التي توحي للقواعد الشعبية وكأن الخلاف السياسي بين بعض الأحزاب والنظام وغيره يجري بين أتباع الدين والمخالفين للدين! فإن الشرعية الدينية للحاكم والدولة لا تأتي من الانتماء للأحزاب الدينية، وإنما من خلال مؤسسات الدولة التي ارتضاها الشعب ومن خلال العمل المتواصل لتحقيق الحياة الآمنة للشعب وتطويرها والحفاظ على حقوقه، ومن إرساء قواعد النظام العام الشامل لأمن البلاد ومصالح العباد.
مع اشتداد الشحن الطائفي الذي تمر فيه المنطقة العربية هذه الأيام، والذي يؤذن بكارثة حقيقية إذا لم يقم علماء الأمة ومفكروها بالدور المطلوب منهم؛ لكشف الحقائق وتوعية الشعوب بالأخطار المحدقة نتيجة التعصب الذي أُستغل في الأغلب لأجل مصالح دنيوية ولتحقيق أجندات سياسية معينة.
كل هذه التحديات والتساؤلات عن الأسباب والحلول تشكل هاجساً لدى الشعوب وبالأخص فئة الشباب؛ لذلك كان هذا الحوار مع العلامة المجتهد السيد علي الأمين من جمهورية لبنان الشقيقة، وهو الذي عاش وخبر أشد حرب أهلية بالمنطقة العربية في بلاده، فإلى هذا الحوار:
] في ظل الشحن الطائفي في منطقة الشرق الأوسط، من في رأيكم المحرك الرئيس للصراع في بلداننا؟ و كيف يمكن أن نواجهه؟
ـ إن المحرّك الرئيس لظهور الشحن الطائفي في مجتمعات بلداننا يعود إلى الصراع على السلطة والنفوذ بين الأحزاب الدينية والجماعات السياسية في الداخل وبين دول اقليمية على مستوى الخارج، وقد زاد من حدّته غياب العلاقات الطبيعية بين الدول العربية والإسلامية في المنطقة خصوصاً بعد أحداث العراق.
وقد عاشت مجتمعاتنا قروناً عديدة بعيداً عن هذا المنطق الطائفي الظاهر اليوم ولم نكن نسمع بهذه الاختلافات والآراء الشاذة التي نبشت من بطون التاريخ ليستغلها أعداء أمتنا في صناعة الفرقة والبغضاء بين أبنائها، ولم يكن هناك صراع على السلطة والحكم بين الأحزاب الدينية وغيرها من أنظمة الحكم والجماعات السياسية وكانت الدعوة هي الغالبة على توجه الحركات الدينية، والمسلمون في أوطانهم مع غيرهم من المواطنين كانت تجمعهم القضايا العامة كالدّفاع عن الوطن الإسلامي ومكانته في العالم، وقضاياهم الخاصة الوطنية والحياتيّة المشتركة.
والمطلوب لمواجهة هذه الحالة الطائفية الطارئة التي تهدد الاستقرار في بلداننا أن يتحرك - بالدرجة الأولى - ولاة الأمر والحكام في دولنا العربية والإسلامية -لانهم يمتلكون إمكانات المواجهة- بالعمل على ترسيخ قواعد المواطنية التي تقوم على العدل والمساواة بين المواطنين، وبدعم قوى الاعتدال الديني وتنظيم التعليم الديني وإقامة المعاهد الدينية المشتركة، واعتماد الوسائل الإعلامية والقنوات التلفزيونية التي تنشر فكر الوسطية والاعتدال في المجتمع وبذلك نعزّز ارتباط المواطن بالوطن والدولة ومؤسساتها.
] البعض يتسائل سماحة السيد حول تاريخنا كمسلمين الذي لا يخلو في بعض فتراته من دموية هل هو كذلك محرك للصراع؟ وما واجبنا تجاه تصحيح القراءة التاريخية؟
ـ إن عدم تحكيم الدين في الخلافات والنزاعات هو من الأسباب التي كانت وراء الوصول بالخلافات إلى مستنقع الدماء، فكيف يكون الدين محرّكاً نحو الصراع الدّموي، وهو يدعو إلى حسن المعاملة ويدعو إلى إقامة الحق والعدل وينهى عن الظلم والفحشاء والمنكر وينهى عن سفك الدماء والعدوان على النفس البشرية..؟ وقد اختصر النبي عليه الصلاة والسلام دعوته بقوله (إنما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق) فكيف يكون الدين مع كل هذا هو المحرّك للصراعات الدّموية..؟!.
إنّ الابتعاد عن الدين والخطأ في الفهم لأحكامه ومقاصده هو الذي أبعد الإنسان عن التماس الحلول العادلة لمشكلاته كما قال الله تعالى في كتابه (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشةً ضنكاً).
إنّ واجبنا أن نعيد القراءة لكثير من حوادث التاريخ التي وقعت باسم الدين، وسنجد بأنها وقعت لأسباب غير دينية وقد استغلّ فيها الدين وكان من ضحايا الشعارات الدينية التي رفعت وتطبيقاتها الخاطئة..! وعلى كل حال فإن من مسؤوليتنا اجتناب ما وقع من أخطاء وشبهات في تاريخنا، وليس المطلوب أن نبني الحاضر والمستقبل على خلافات الماضي كما قال الله تعالى (تلك أمّة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تُسألون عمّا كانوا يعملون).
ويجب أن نرجع إلى ينابيع الدين الصّافية من الكتاب والسنّة الثّابتة على قاعدة قوله تعالى (..فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً).
] سماحة السيد بما أنكم أحد العلماء الكبار بالمذهب الشيعي بودي أن أعرف رأيكم حول فكرة ولاية الفقيه وتطبيقها المعاصر بإيران؟، وهل ساهمت هذه الفكرة في تقريب الشيعة من بقية المذاهب والأديان أم فاقمت الشحن الطائفي؟
ـ إن مسألة ولاية الفقيه انتقلت من علم الفقه إلى عالم السياسة لإعطاء الصفة الدينية للسلطة، وقد أصبح النظام السياسي في إيران قائماً على بعض تفسيراتها، وهي ما تزال محل رفض وقبول عند علماء المذهب الشيعي خصوصاً على المستوى السياسي، وقد تجلّى هذا الرفض مرّات عديدة في حركات شعبية ودينية داخل إيران نفسها، وهي في كل حال نظرية خاصّة لا تلقى القبول في المجتمعات التّعدّدية التي لا تؤمن بها على مستوى الفقه المذهبي أو على المستوى الديني، وهذا ما يشكّل مانعاً من قبولها عندهم على المستوى السياسي في حكم البلاد وإدارة شؤونها، وهو ما يؤدي إلى تغليب رؤية فقهية ذات صفة مذهبية على الآخرين الرافضين لها وعلى الذين لا يؤمنون بها أصلاً، وهذا ما يفتح الطريق إلى ظهور الخلافات المذهبية والطائفية خصوصاً عندما تواكبها سياسة التمييز بين المواطنين، مع أن الدولة في طبيعتها ينبغي أن تكون مدنية تقوم على عقد اجتماعي بين كل المواطنين على اختلاف انتماءاتهم الدينية والعرقية كما حصل في وثيقة المدينة المنوّرة التي جمعت كلّ مكوّنات المجتمع في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، ومن أراد التوسّع في نظرية ولاية الفقيه فبإمكانه الرجوع إلى كتابنا (ولاية الدولة ودولة الفقيه) حيث ناقشنا فيه هذه النظرية على المستوى الفقهي.
] اختلاط السياسة بالدين واقع ملموس، لكنه استثمار سلبي في الغالب، فهو استغلال للمقدسات في النزاعات السياسية من أجل تحقيق المصالح، فما السبيل الصحيح لتبصير الشعوب بمخاطر هذا الأمر؟
ـ إن من أهم الوسائل المانعة من اختلاط الديني بالسياسي واستثمار مقدسات الدين في الخلافات السياسية هو العمل على نشر الوعي الديني الذي يعطي المواطنين القدرة على التمييز بين الشأن الديني والشأن السياسي، والبيان لهم أن الدين ليس هادفاً للإمساك بالسلطة والنظام، وأن الدين لا تتنافى أهدافه مع العدالة والاستقرار التي يحققها النظام السياسي الذي ارتضاه الشعب في بلاده، ومن الوسائل النافعة في هذا المجال العمل على تنظيم قيام الأحزاب على أسس من البرامج
] نود من سماحتكم نصيحة ختامية للشباب كيف يمكنهم أن يتغلبوا على مصاعب الطائفية والمرحلة المقبلة؟
ـ أتوجه إلى شبابنا بالقول لهم: أنتم أمل الأوطان، وأمل الأمة في بناء مستقبلها وتعزيز مكانتها والوصول بها إلى موقعها الريادي اللائق بها في العالم، وأنتم تعلمون -أيها الأمل الواعد- من خلال تاريخنا وقرآننا المجيد أن وحدة الكلمة كانت في أساس البنيان المرصوص لأمتنا كما قال الله تعالى (وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) وكما في قوله تعالى: (واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً)، ولذلك فإن المطلوب منا جميعاً أن نبتعد عن كل عوامل الفرقة والانقسام، وأن ندرك أن وحدة الأمة هي من مقاصد شريعتنا السمحاء، وبهذا المقصد الشريف يعرف شبابنا بطلان كل دعوة تريد جعلنا طوائف ومذاهب متناحرة تحت شعار الدين، فإن الدين هو داعية وحدة وليس داعية فرقة.
العلامة المرجع السيد علي الامين : الطائفـيــة في مجتمعاتـنــا.. إلـى أيــن؟
العلامة المرجع السيد علي الامين : الطائفـيــة في...لبنان الجديد
NewLebanon
مصدر:
لبنان الجديد
|
عدد القراء:
412
مقالات ذات صلة
الفرزلي: ما يشفع في بقاء الحكومة هو عدم الاتفاق على...
جعجع: حزب الله أَسَّسَ للقطيعة مع العرب وربما أخطأت التقدير...
نادر: الأجهزة الأمنية تُحصي أنفاس الثوار فلمَ لا توقف...
فهمي: كانت لدينا مؤشرات حول دخول طابور خامس على خط تظاهر...
اللواء ريفي ردًا على مقولة ثوار السفارة:هم عملاء إيران وأنا...
الفرزلي: الحكومة فقدت مقومات...
ارسل تعليقك على هذا المقال
إن المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس بـالضرورة سياسة الموقع
© 2018 All Rights Reserved |
Powered & Designed By Asmar Pro