يَرفض المؤمنون بالله الواحد الرحمن وكلُّ محبّ للإنسانية حالة القتال الدموي والنزاع الشرس الجاري بين المسلمين من أهل السنة والجماعة والمسلمين من شيعة أهل البيت، الذين يشكلون معا أمة الإسلام الواحدة.

إن النزاعات الممتدّة من الباكستان إلى لبنان، ومن إيران إلى اليمن، وكذلك الصراعات المذهبية الممتدّة من مصر إلى بلاد المغرب والصحراء، بما تسبّبه من خسائر معنوية وبشرية ومادية هائلة غير قابلة للتعويض، تُشوّه بالفعل وجه الإسلام وتسيء لسمعة أمّة السلام .

وفي هذا السياق أصبحت سوريا ساحة رئيسية من ساحات هذا الاقتتال، مما يحرّف مسار ثورتها التي قام بها شعبُها منذ أكثر من سنتين في سبيل الحرية والكرامة والديمقراطية لكل السوريين، على كافة انتماءاتهم، ضد نظام وَضَعَ الشعب كله، ولمدة أربعين عاما، تحت حكم التعذيب والتخويف وغسل الأدمغة وعبادة القائد.

إن الشعب السوري لا يستطيع أن يتراجع عن ثورته أبدا بعد ما قدمه من تضحيات باهظة، وهو لن يستسلم مهما بلغ حجم التدخل الإقليمي والدولي المراوغ في هذه الحرب الأهلية الأليمة.

و هناك في إيران، كما في إسرائيل وفي روسيا وفي بلدان الحلف الأطلسي، من يظنّ أن الكارثة السورية سوف تعود لمصلحته الجيوسياسية، وهو ظنّ خطير وخاطئ .

وهناك الكثير ممن يرون، والحمد لله، أن ما تَخسره الإنسانيةُ في سوريا يشكّل خسارة للبشر أجمعين، وهم يرغبون أن يضحّوا بالمال والحضور والالتزام لأجل توطيد السلم الأهلي في بلاد الشام واسترداد السوريين مسار ثورتهم الشعبية و تحقيقهم أهدافها.

بالحقيقة ليس الصراع في سوريا بين السنة والشيعة وإنما هو بين الذين يؤمنون بأن الله خلق الناس من أمهاتهم أحرارا ليتعارفوا وليتحابّوا والذين يعتقدون أن الحياة ليست إلا ميدانا للتسلط والصراعات والمصالح الخاصة .

لذلك لا يخصّ شهر رمضان هذا العام المسلمين فحسب بل يخصّ كل إنسان ذي إرادة طيبة و نية صالحة، لكي يسعى إلى خير أخيه الإنسان مقدّرا قِيَمَه و رموزَه الدينية .

،سيشترك جمعٌ كبير من المسيحيين واليهود وغيرهم، من بلدان مختلفة وبطرق روحية عديدة، بهذه الممارسة التضامنية لشهر رمضان الفضيل ليعبّروا عن تضرّعهم الملحّ للرحمن القدير، لكي ينعم على أمة الإسلام بالوحدة والوئام، لما في ذلك من أثره على أمن و أمان العالم .

وهناك عدد كبير من  سكان العالم ممن سيدعون إلى موائد إفطار جيرانَهم المسلمين والمسلمات، من السنة والشيعة معا، ليحققوا أمنية التآخي هذه، وإنْ كانت على نطاق القرية الواحدة، وكلّا حسب إمكاناته .

فلنتضامن كلنا مع الإخوة والأخوات المعتقلين والمخطوفين واللاجئين وجمهور المعذبين والمتضررين والباكين ذويهم وكذلك مع الصامدين في طلب الحرية والعدل والمساواة والحياة الكريمة التي تسودها الشفافية والصدق، ولنجتمع أيضا على رفض منطق المؤامرات والسياسات الخفية والمافيات المفسدة .

إن هذا الشهر الفضيل هو شهر توبةٍ إلى الله وطلب الغفران من إخوتنا وأخواتنا البشر. إننا نطلب نعمة التوبة للجميع ونطلبها، مع إظهار الحق وإحقاق العدالة، لكل مجرم وظالم وضال لأنه قد شوّه إنسانيته قبل إنسانية ضحاياه. ولا حول ولا قوة إلا بالله المحب للبشر، وكل عام و أمة البشر هذه بخير .
                                             
الأب باولو