لا يخفي السفير السعودي علي عواض عسيري قلقا من التطورات في لبنان، فهو اذ يتلمس المخاوف من فتنة داخلية يصر على ضرورة حماية الاعتدال، مؤكدا ان ليس لدى بلاده اي نية للنزول الى صراعات مذهبية، ومشددا على ضرورة تنفيذ اتفاق الطائف بكامله لانه لم ينفذ كما يجب. يقول سفير المملكة العربية السعودية في لبنان في حديث الى "النهار" ان "المملكة لم  تترك لبنان ولن تتركه في كل الظروف"، موضحا: "لا شك ان التطورات التي تجري تهمنا جدا من منطلق حرص المملكة على استقرار لبنان، وسلمه الاهلي . فما نراه قد لا يخدم مصلحة لبنان لذلك نأمل ان تكون الحكمة هي سيدة الموقف وان يكون هناك نظرة جماعية من كل القوى السياسية الى مصلحة لبنان اولا. ما تتمناه المملكة هو الا ترى لبنان في موقع لا يستحقه، فهو في غنى عن هذه المشكلات ومقبل على صيف قريب نتمنى ان يكون واعدا. ما نتمناه ان يكون هناك تواصل وحوار بنّاء بين كل القوى السياسية من اجل تحصين لبنان ومحاولة التوصل الى حل لكل المشكلات فيه والتزام سياسة النأي بالنفس". ويضيف: "هناك خشية من تداعيات كل ما يجري في شمال لبنان ومن تدخل " حزب الله" ضد الشعب السوري لانها تنعكس على الوضع الداخلي."
وعن احتمالات حصول فتنة سنية – شيعية وامكان تجنبها يقول السفير عسيري: "اذا كان هناك من مجال لبذل جهود من المملكة فإنها لا تتوانى عن خدمة الاشقاء في لبنان. ما من شك ان هناك خوفا من فتنة، ولكن لدى كثيرين انطباع بأنه يجري تضخيم هذا المفهوم او توظيفه توظيفا سيئا او لتحقيق مصالح ضيقة والمبالغة والتهوين لا يخدمان مصلحة لبنان وشعبه، لكن يجب ان نتذكر امرا وهو ان ما يحصل في لبنان يبقى  من مسؤولية اللبنانيين وكل القوى السياسية". ويضيف: "نتمنى من منطلق حرصنا على لبنان وعلى السلم الاهلي فيه ان تنظر القوى السياسية الى مصلحة لبنان  وتتخذ اجراءات لتهدئة الوضع  من اجل إراحته واستقرار الوضع الداخلي فيه ".  
■ ذكرتم انكم تبذلون جهودا، انما لبنان هو نقطة التقاء اقليمية ، فهل لاقت القوى الاقليمية الاخرى جهود المملكة من اجل التهدئة في لبنان ام لا؟
يجيب السفير السعودي: "علاقة المملكة بلبنان علاقة مميزة وتاريخية ويطغى عليها الجانب الاخوي اكثر من الجانب السياسي. من هذا المنطلق  يحرص خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله على لبنان وشعبه بكل فئاته والرهان دائما على حكمة اللبنانيين انفسهم وتفاهمهم والعمل على ما فيه مصلحة بلدهم، ففي مقدورهم دائما الوصول الى كلمة سواء". 
لا نتدخل
■ شهدنا مؤخرا عودة المملكة الى المشهد السياسي في عملية تأليف الحكومة وفجأة توقفت هذه الجهود فهل هناك انكفاء ام ان هذا الحراك ووجه بجدار من الممانعة لتعطيل دور المملكة ؟
يجيب السفير عسيري: اود التأكيد اولا على ان المملكة العربية السعودية حاضرة وتقف بجانب لبنان وهي دائما معه قلبا وقالبا ومع الاشقاء اللبنانيين وتتابع مجريات الاحداث فيه. لم تتدخل المملكة في موضوع الحكومة أكان في تكليف الرئيس تمام سلام ام في مسألة التشكيل، ولكنها حين رأت اجماعا لبنانيا تمثل بتسمية 124 نائبا من اصل 128 نائبا للرئيس تمام سلام، تفاءلت كثيرا وباركت هذه الخطوة مباشرة بعد اعلانها، وقد نقلت تهنئة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الى رئيس الحكومة المكلف. لكننا نرى ان الشأن الداخلي يخص الاشقاء اللبنانيين وحدهم وكلما كان الحل لبنانيا كان ذلك افضل. لا تخفي المملكة تفاؤلها حين ينشأ اجماع لبناني وارادة سياسية لبنانية واحدة ، وليس خافيا وجود رغبة في التريث لدى القوى السياسية، اذ تشهد الفترة الحالية زحمة استحقاقات وتحتاج كلها الى توافقات. ونلحظ وجود تحركات لكل القوى السياسية في شأن تلك الاستحقاقات، ونتمنى ان تثمر كل الجهود الخيّرة كي ينتقل الوضع الى مرحلة أفضل من الاستقرار والتهدئة".
وردا على سؤال عن الآمال التي عكستها اطلالة السفير عسيري عبر وسائل اعلام قوى الثامن من آذار من اجل تسهيل الوضع، مما رفع الآمال في رعاية ما، تنقذ الوضع في ظل عجز الافرقاء اللبنانيين عن الاتفاق، يقول السفير السعودي: "ليست المرة الأولى اظهر فيها في اعلام ينطق باسم مكونات فريق الثامن من آذار، ولا حاجة الى التذكير بأن سفارة المملكة العربية السعودية في لبنان تحتل موقعا يختلف عن اي سفارة اخرى بحكم العلاقة المميزة بين البلدين. من هذا المنطلق نحن حرصاء  على التواصل مع كل القوى السياسية بما يخدم مصلحة لبنان ونشجع جميع الافرقاء السياسيين من اجل ان تكون هناك لحمة سياسية لبنانية. لم نقفل ابوابنا في وجه اي جهة ولم ننقطع عن التواصل مع اي جهة لبنانية في ما يخدم مصلحة لبنان، بما في ذلك الاداء التقني الذي يخص السفارة كتأشيرات الحج والعمرة. المملكة تستقبل المسلمين والمسيحيين الذين يتوجهون اليها لاغراض مختلفة، لهذا اقول ان سفارة المملكة تختلف عن سواها وابوابها مفتوحة لكي تخدم الجميع سواء ما يتعلق بزيارة الاماكن المقدسة او تسهيل زيارات رجال الاعمال اللبنانيين من كل الطوائف، والمملكة حريصة على تعزيز علاقتها بلبنان في المجال الاقتصادي ايضا وليس في المجال السياسي فحسب،  وتساعد لبنان في معالجة التداعيات التي افرزتها الازمة السورية. والمملكة في طليعة البلدان التي سارعت لإيفاد منظمات إغاثية الى لبنان لإغاثة النازحين السوريين وتأمين اماكن سكن لإيوائهم ومستشفيات لمعالجة الحالات الصحية والتعاقد مع عشرات الصيدليات لتوفير الدواء المجاني للمرضى وكفالة آلاف الطلبة السوريين ليتمكنوا من مواصلة دراستهم. المملكة لم تترك لبنان ولن تتركه في كل الظروف وتشهد كثافة حركة انتقال اللبنانيين الى المملكة وعودتهم منها وما لهم من مصالح فيها على ذلك. واعود بالذكرى الى جهود اعادة الاعمار التي قامت بها إثر العدوان الاسرائيلي عام 2006 . انطلاقا من محبتنا وحرصنا على لبنان نناشد جميع اخواننا في لبنان ان لا يوفروا اي جهد او تضحية في سبيل ان ينعم بلدهم بالأمن والهدوء والازدهار". 
ونحن الاتصال الذي حصل مع "التيار الوطني الحر" وامكان توظيفه في تقريب وجهات النظر والمساعدة في تأليف الحكومة، يقول: "الاتصال موجود منذ تسلمي مهماتي كسفير للمملكة العربية السعودية في لبنان حيث قمت بزيارات العماد ميشال عون والوزير جبران باسيل في مكتبه في الوزارة ووجهت اليه دعوة لحضور مؤتمر في المملكة . نحن لم ننقطع عن التواصل مع  اي قيادة سياسية في لبنان سواء من الناحية المهنية او السياسية ونحرص على تعزيز هذه العلاقة وتوظيفها لمصلحة لبنان. فالهدف هو وحدة الصف اللبناني بما يخدم لبنان. وجميع اللبنانيين  يعرفون مدى محبة المملكة وحرص قيادتها على وحدة لبنان وشعبه".
 

تنفيذ الطائف أولاً ■ ونسأل السفير السعودي : "الميثاق اللبناني يحمل اسم اتفاق الطائف وتعرفون مدى تداخل العوامل الاقليمية والدولية في هذا الموضوع . هناك فئات لبنانية واسعة ترى ان جزءا مما يجري هو انعكاس للصراع الخليجي – الايراني. وان دور ايران التوسعي له تأثير كبير في هذا الامر. هل هناك امكان لحصول توافق سعودي – ايراني أو كلام ما مع ايران لتلافي هذا الموضوع وإخماد جذوة الصراع المذهبي في لبنان، ام ان ايران لا تبدو في هذا الوارد وانتم يائسون من دورها؟
يجيب: "المملكة لا تؤمن بالصراع الديني او المذهبي او الحضاري ، بل هي داعية حوار داخل الساحة الاسلامية ومع الاديان والحضارات الاخرى. ربما هناك دول وتجمعات تؤمن بمثل هذا النوع من الصراعات وترى فيها اداة تخدم اهدافها ولكن مصير هذه السياسات الفشل. المملكة جزء من الامة العربية والاسلامية وسياستها تصب في خدمة هذه الامة بكل ابنائها، وايضا فنحن دولة لها وزنها الدولي سياسيا واقتصاديا ونعمل  مع المجتمع الدولي بما يسمو بالحياة الدولية ويطور القدرات الاقتصادية بما يخدم رفاهية الانسان في كل مكان. وليس لدى المملكة نية ولا متسع من الوقت للنزول الى صراعات مذهبية بل نعمل من دون كلل على بناء علاقات جيدة مع كل الدول وعلى تجنيب منطقتنا وامتنا المشاكل وعلى التفرغ للتنمية والارتقاء ببلدنا للحاق بالمجتمع الدولي المتقدم". 
■ وهل تعتقد ان هناك مجالا لعقد اتفاق طائف - 2؟
يقول: "اعتقد ان المطلوب هو تنفيذ اتفاق الطائف - 1 اولا وترك الاشقاء اللبنانيين يحكمون عليه اذ ان المشكلة التي يعانونها هي ان اتفاق الطائف لم ينفذ كما يجب. وعندما يتم تنفيذه كاملا فهم اصحاب الشأن". وعن  ترتيب البيت السني وانقساماته، يقول السفير عسيري: "نؤمن ان وحدة الصف اللبناني سواء كانت اسلامية او مسيحية تخدم مصلحة لبنان وتقرب وجهات النظر فيه. وحين تحصل خلافات داخل طائفة ما فانها تنعكس على جميع الطوائف وتؤثر على العيش المشترك. موضوع دار الفتوى بيد القيادات السنية التي نعتبرها مسؤولة عن هذا الامر وبيدها وحدها القرار لاتخاذ ما تراه مناسبا لتوحيد الصف السني. ولا شك ان وحدة الصف السني تهم المملكة وهي تشجع لما هو الافضل. ان ما يحصل في دار الفتوى مؤسف بالنسبة لنا ونتمنى ان يتم تقويم هذا الوضع بعيدا عن المكايدة، والعمل على ايجاد مخارج بالطريقة المناسبة التي تخدم وحدة الطائفة لان وجود دار فتوى محترمة وقوية لا يخدم الطائفة السنّية فقط بل يتعداه لخدمة لبنان كوطن سواء في ما يتعلق بالفتاوى او بتعزيز الخطاب الديني المعتدل. فالاعتدال مطلوب اليوم ويجب ان يكون عنوانا للجميع. الاعتدال هو عنوان لبنان وسمته بفضل هذا التنوع الثقافي والديني. من هنا ضرورة حماية الاعتدال وتعزيزه اولا وتبني كافة القوى السياسية هذا النهج كي لا تنشأ تداعيات اخرى كما نرى للاسف. ولذاك نرى ان الحفاظ على دار الفتوى وفي الوقت نفسه ايجاد الحلول لمشاكلها سيساعد لبنان بكامله وليس الطائفة السنيّة وحدها أو دار الفتوى في حد ذاتها . فدار الفتوى موقع مهم جدا لأنها على الدوام مع الاعتدال والوطنية ووحدة الطائفة السنية ".

عودة الحريري ■ وهل عودة الرئيس سعد الحريري مهمة من اجل ترتيب البيت السني، وهل تنصحونه بالعودة الى لبنان؟ أهناك تكهنات عديدة في اتجاهات متضاربة ؟ 
يجيب: "لدى الرئيس سعد الحريري تصوراته الشخصية واقتناعاته التي تملي عليه اولوياته وتحدد له مصالحه. وسلامته مطلب أولي له وللبنان وللطائفة السنية، وفي ظل تنامي الشعور بالخطر لدى كثير من الزعامات اللبنانية فإن امنه الشخصي اولوية. وهو وحده من يقرر العودة الى لبنان او البقاء خارجه . 
انا اعتقد ان وجوده عنصر مهم في رخاء لبنان واستقراره، وارى من الحكمة ان يعمل خصومه وحلفاؤه على تهيئة الساحة لعودته لانه احد القيادات السنية البارزة ويتمتع بوجود قوي جدا في مجلس النواب وكذلك على الساحة السياسية . وهذه العلاقة هي ارث من والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري – يرحمه الله – ومن محبة ابناء الطائفة السنيّة وكافة اللبنانيين له، ومحاربة الرئيس سعد الحريري او استهدافه او اعاقة عودته لن تكون مفيدة. والمطلوب من كل القوى السياسية الرئيسية التي لها تأثير على الساحة الاسلامية والمسيحية ان تدعم وتؤازر قوى الاعتدال في لبنان وان يكون هناك لحمة بينها لإيجاد المخارج والحلول لما يعاني منه لبنان اليوم، خاصة اذا كانت هناك ارادة سياسية طيبة والتزام بالنأي بالنفس".
■ وهل يمكن ان تحذو المملكة حذو بعض الدول العربية وتحذر مواطنيها من المجيء الى لبنان ؟
يقول عسيري "المملكة تأنت دائما في اتخاذ قراراتها ازاء لبنان  الا ان سلامة المواطن السعودي اينما كان والحرص على كرامته وسلامته هي اولوية بالنسبة الى قيادتها. اما اتخاذ اي قرار بشأن تحذير المواطنين من المجيء الى لبنان فانه يصدر في ضوء مراقبة السفارة للوضع الأمني والتطورات وعندما تشعر ان هناك خطورة على امن المواطن السعودي ترفع الامر الى القيادة كي تتخذ القرار المناسب سواء بتحذير المواطنين او اتخاذ اي اجراءات تراها مناسبة في هذا الشأن. وفي ضوء تقدم وسائل الاتصال وهيمنة الاعلام وما تنقله من معطيات فان كل شخص قادر على استخلاص النتائج التي تناسبه ". 
■ ماذا عن مؤتمر جنيف -2 وهل تأملون نتائج منه؟
يقول: "المملكة العربية السعودية سعت منذ اندلاع الشرارة الاولى في سوريا الى الحؤول دون وصول الامور الى ما وصلت اليه من دمار وسفك دماء بريئة وتشريد المواطنين السوريين في كل مكان. ارى ان نراقب ما يمكن ان ينجم عن المساعي الرامية الى عقد المؤتمر، وكل ما اتمناه ان تصلح النيات وتصل الامور الى خواتيمها المنطقية".

rosana.boumounsef@annahar.com.lb