أخذ المرجع الشيعي العلامة الفقيه السيد علي الامين على عاتقه تصويب الفكر الشيعي وإعاة إنتاج هذا الفكر بلغة عصرية حديثة ,وقد أعدّ سماحته مطالعات كثيرة في هذا الإطار تناولت الكثير من المواضيع الفكرية الحساسة والمهمة الخاصة بالطائفة الشيعية وقد طرح سماحته عناوين عديدة كان لها الأثر الإيجابي الكبير في المجتمع الإسلامي وتعديل نظرته في قضايا عديدة حول الفكر الشيعي .
وفيما يلي مطالعة لسماحة السيد الامين حول نظرة الشيعة الى الديمقراطية العددية والاقلية الدينية فيقول سماحته حيث يرفض سماحته فكرة الديمقراطية العددية التي لجا إليها بعض علماء الشيعة كونها فكرة تجعل من الشيعة في بعض البلاد في واجهة الأحداث ويدخلون مع الآخرين في نزاع حول السلطة وهذا يكرس الانقسام على المستوى الوطني وعلى المستوى المذهبي وليس من الصحيح أن ينظر إلى الوطن على أنه كم من الطوائف والمذاهب بل هو وطن واحد لشعب واحد يحكمه نظام سياسي يساوي بين أفراد الشعب في الحقوق والواجبات ويسعى إلى تحقيق العدالة الإجتماعية لمختلف الفئات وعليه كما يقول العلامة الامين فلا يجب أن يكون الحاكم من الطائفة الأكثر عدداً بل يجب أن يكون من الشعب ويكفي هذا الإنتماء إلى الشعب والوطن في أهلية الحكم من دون نظر إلى انتمائه الديني أوالمناطقي أو المذهبي فالمهم أن يكون الحاكم يسعى إلى تحقيق العدالة لكل أفراد الشعب .
وأضاف سماحة السيد الأمين إلى أننا كشعب لا نتضرر من مسيحية الحاكم كما لا ننتفع من كونه مسلماً فإن النفع والضرر يدوران مدار تحقيق العدالة وعدمها وقد أشار الإمام علي (ع)إلى هذا المعنى رداً على أولئك الذين رفعوا شعار (لا حكم إلا لله ) فقال عليه السلام كلمة حق يراد بها باطل ، نعم لا حكم إلا لله ولكن هؤلاء يقولون لا إمرة إلاّ لله، وإنّه لا بدَّ للناس من أميرٍ برٍ أو فاجر يعمل في إمرته المؤمن ويستمتع فيها الكافر ويبلّغ الله فيها الأجل ويجمع به الفيء ويقاتل به العدوّ وتأمن به السُّبل ويؤخذ به للضّعيف من القوي حتى يستريح بُّر استراح من فاجر ) فإنّ هذا النَّص العلوِّي يكشف عن الدّور الذي يجب أن يقوم به الحاكم من جمع للثروة وتوزيعها توزيعاً عادلاً ويقاتل أعداء الوطن والشّعب ويحقق أمناً داخلياً ونظاماً قضائياً عادلاً يعطي الحق لصاحبه وإن كان ضعيفاً فمن خلال هذا الدور يكتسب الحاكم الشرعية لا من خلال انتمائه الديني أو المذهِّبي ولا من خلال كونه من الطائفة الأكثر عدداً .
ومن هذا المنطلق يرى سماحة العلامة السيد علي الامين أن الديمقراطية العددية توجد مشكلة للشيعة وليست حلاً لمشكلة وهي لا تقل إشكالاً وخطراً عن اعتبار الشيعة –كما ذهب بعضهم-أقلية دينية في المحيط الذي يعيشون فيه بل يمكن أن يقال بأن منطق الأكثرية العددية إذا صح في بعض الأماكن فهو الذي يتولد منه منطق الأقلية الدينية في أماكن أخرى وكلا الأمرين لا يمكن القبول به لما فيه من تكريس الإنفصال والانقسام على مختلف أتصعد الدينية والوطنية ممّا يسهل على الأعداء الطامعين بأوطاننا أن يزرعوا بذور الفرقة والشقاق بين أبناء الأمة الواحدة هذا مضافاً إلى أن كلا الأمرين ليس له أي سند حق من التاريخ الشيعي الذي صنعه أئمة الشيعة من أهل البيت الذين ابتعدوا عن منطق الإنفصال وبقوا رغم إقصائهم عن السلطة مع المشروع التوحيدي للأمة الواحدة ليس لهم من مشروع سواه وكانوا ينظرون إلى الأمة عل أنها نسيج واحد وجسم واحد لا فضل فيه لجماعة على أخرى وقد كان شعار علي عليه السلام (أنا لكم وزيراً خير لكم مني أميراً) وكان شعاره( أيها الناس ضعوا تيجان المفاخرة وعرجوا عن طرق المتنافرة وشقوا أمواج الفتن بسفن النجاة …) وهو الذي كان يقول للمسلمين (فإياكم والتلون في دين الله فإن جماعة فيما تكرهون من الحق خير من فرقة فيما تحبون من الباطل وإن الله سبحانه لم يعط أحداً بفرقة خيراً ممن مضى ولا ممن بقي) .(وألزموا السواد الأعظم فإن يد الله مع الجماعة وإياكم والفرقة ) هذا هو المشروع التوحيدي الذي اعتمده الأئمة في حياتهم وهذا ما ينبغي أن يكون عليه الشيعة في أوطانهم وشعوبهم يعملون بمنطق قواقعهم وحقيقتهم على أنهم جزء لا يتجزأ من المحيط الذي يعيشون فيه لهم نفس تطلعاته وآماله وقضاياه ومن الخطأ أن نتحدث عن الاندماج تارة أو عن الإختلاط أخرى لأنها ألفاظ تحمل معنى التعدد والتغاير والانقسام ومتى كان الشيعة غير مندمجين وغير منخرطين في أوطانهم ومع شعوبهم ؟.
الشيعـة والإرهـاب:
يتطرق سماحة العلامة الفقيه السيد علي الأمين إلى إطلاق صفة الإرهاب على الشيعة فيقول سماحته : الشيعة مع العرب والمسلمين جسد واحد كما أراد الله ورسوله وكما كان عليه أئمة أهل البيت عليهم السلام وإن حصل شذوذ عن هذه القاعدة من بعض الأفراد فإنّ الشذوذ ليس مقصوراً على جماعة دون أخرى إنه شذوذ لا يرتبط بالمذاهب والأديان بل هو مرتبط بالمصالح الشخصية للأفراد والإنتماءات السياسية ولذلك كنا نقول من الخطأ الجسيم أن يقال عن الشيعة بأنهم إرهابيون من خلال ممارسة بعض الأفراد للإرهاب والخروج عن القوانين والأعراف الدولية لأن هذا الفعل لم يكن من منطلق ديني أو مذهبي فليس التشيع إلى الإمام علي هو الذي دفع البعض إلى ممارسة الإرهاب لأن علياً هو القائل (بأن الخلقَ صنفان إما أخُ لك في الدين أو نظيُر لكَ في الخلق ) لقد كان هذا الفعل الإرهابي المرفوض دينياً وإنسانياً وليد الإنتماء السياسي لهؤلاء الأفراد ولا علاقة له بالأديان والأوطان ولذلك لا يوجد إرهاب أو ممارسة غير إنسانية من خلال الطوائف والأديان بل هو إرهاب ناشىء من الصراع السياسي بين الأنظمة التي تبيح لأنفسها استخدام الوسائل الغير المشروعة في المحافظة على بقاء أصحابها في السلطة التي يعمل أصحابها بمنطق (الغاية تبرر الوسيلة ) وهذا ما كان يرفضه الإمام علي عندما قال ( قد يرى الحول القلب وجه الحيلة ولكن دونها حاجز من أمر الله ونهيه وإنما ينتهزها من لا حريجة له في الدين ) وهو الذي كان يقول ( لو أعطيت الأقاليم السبع على ان أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعير ما فعلت…)وهو القائل لابن عباس (ما قيمة هذه النّعل )قال ابن عباس(لا قيمة لها ) قال عليه السلام (والله لهي أحبُ أليَّ من إمرتكم إلاّ أن أقيم حقّاً أو أدفع باطلاً ).
ويخلص سماحة المرجع السيد علي الامين إلى القول : إن الطّائفة الشيعية هي جزء لا يتجزَّأ من الأمّة العربيّة والإسلامية لها ما لسائر أفراد الأمّة وعليها ما على سائر أفراد الأمة وليست الطائفة الشيعية فريقاً منفصلاً عن الأمّة لنبحث عن حقوقها تارة في العراق وأخرى في لبنان وثالثة في الخليج وهكذا ، إنّ العمل الدينيّ الصحيح والعمل السياسي الصحيح هو الذي يحمل عنوان الوحدة والألفة بين كلِّ فئات الشعب وأفراده من أجل حصول العدالة والتّقدم للشعوب والأوطان .