يُعيب البعض على الذين تنادوا مؤخراً لرفع أعلام العروبة فوق أعلام الأحزاب والطوائف والقبائل، بالقول أنّها عروبة تحت الطلب. فيندفع البعض لِيبلور مفهوماً جديداً للعروبة، عروبة بلا أنظمة. الأنظمة هي الاستبداد والعُسف والقهر والفقر والمديونية والفساد، أمّا الشعوب فهي الحرية والديمقراطية وحق العمل والكرامة البشرية. والعروبة لا تُزجّ في الصراع السياسي، ولا تُعرّف بالآخر ولا بالعداء للآخر. حسناً، إلاّ أنّ هذا التعريف الهلامي للعروبة، لا يعني اليوم أنّها في حرزٍ حريز،أو في أمانٍٍ مطلق من أعداء العروبة في الداخل والخارج، فقد تعرّضت الحركة القومية العربية لهجوم مضاد إبان الحقبة الناصرية والبعثية امتدت حتى أواسط السبعينيات، وقاد الإخوان المسلمون جانبها الداخلي، أمّا الجانب الخارجي فقادته الدول الغربية، وحربتها الأمامية كانت إسرائيل. ولعلّ هزيمة العرب عام ١٩٦٧ وتداعياتها كانت المفصل الحاسم في كسر الحركة القومية العربية، ولجم اندفاعتها، وإجبارها على التراجع والتقوقع.
أمّا اليوم، فالناصرية تلاشت، وخفتت أصوات التابعين في الأمصار، والبعث انتهى نهاية مأساوية في العراق وسوريا ولبنان، والقائد معمر القذافي الذي كان يتباهى بلقب"امين القومية العربية" بعد غياب عبد الناصر، انتهى هو الآخر نهاية مأساوية. أمّا الاسلامويّون الذين يملأون الرحب من غزة إلى مصر ،إلى الجزيرة العربية وسوريا والعراق وليبيا وتونس، فلا يعرفون للعروبة مفهوماً و لامعنىً ولاهدفاً، ولا ولاءً، وهم غارقون في غياهب الشريعة والسُّنة، وتطبيقاتها المنحرفة والمقطوعة عن سياقها، والأمّة العربية، إذا كان قد تبقّى ما ينطبق عليه هذا المفهوم، فهي ممزّقة ومبعثرة، تتقاذفها الحروب الأهلية، والتدخلات الخارجية، والتمزّقات المذهبية، وخلاصُها لا يتلخّص بقسمة ثُنائية :أنظمة استبدادية وشعوب مقهورة، بل هي ما زالت كما كانت إبان الحقبة الناصرية، تتعرض لنزيفٍ داخليّ، يقوده التطرف الإسلامي وحركاته المشبوهة، وهجومٌ خارجيٌّ مستمر من الغرب وربيبته إسرائيل، مضافاً إليها مطامح الغزو الروسي المُستجد، والغزو الإيراني المتواصل لأكثر من أربعة عقود، والذي يحفظ سؤدد الفرس ،ويُضيع مجد العرب.
عروبة غبّ الطلب، وعروبة هُلامية..
عروبة غبّ الطلب، وعروبة هُلامية..د. أحمد خواجة
NewLebanon
مصدر:
لبنان الجديد
|
عدد القراء:
1260
عناوين أخرى للكاتب
مقالات ذات صلة
ارسل تعليقك على هذا المقال
إن المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس بـالضرورة سياسة الموقع
© 2018 All Rights Reserved |
Powered & Designed By Asmar Pro