بقلم الشيخ محمد مشيمش
ظهَرت عبرَ التاريخ، نظرياتٌ وأفكارٌ وتياراتٌ متعددة ومختلفة، في مشاربَ عدة، فكريةٍ وثقافيةٍ ودينيةٍ وفلسفية، وحتى أنماطُ حياة، وعُرِفَت مناطقٌ بعينها على مدى الزمن أنّها ولاّدةٌ للتحولات العلمية، كبغداد، والري، وسمرقند، والبصرة. وروما وغيرها، وكان لجبل عامل، نصيبٌ يُذكَر في هذا الميدان، فمنذ ٧٠٠ عام سبق، بسط علماءُ جبل عامل، نفوذَهم العلمي والفكري، على مساحةٍ شاسعةٍ من هذا الشرق، امتدت من أقاصي كابول إلى خراسان إلى أصفهان إلى بغداد إلى الكوفة إلى النجف، وحفظًا لهذا الأثر ولتميّزه، عُرِفوا بالعامليين، وعُرِفت مدرستهم بالمدرسة العاملية، نسبةً لجبل عامل، وما زالت هذه المدرسة مستمرة حتى اليوم، وتميزت هذه المدرسةُ بالإنتاج الزاخر، والمُميز والمَتين، فما زالت كُتُب هذه المدرسة، تحجزُ مكانها في المراتب الأولى في الحوزات ودوواين العلم، كأساسٍ يبنى عليه، كما تميزت باقتحام المواضيع الشائكة، والمحرّمة، لِجرأتهم العلمية، وعمق بئرهم الفكري، وتنوع المواضيع، والابحاث،
ومن هذا الفيضِ منَ الزمنِ السحيق، المنساب حتى اليوم، نشأت مدرسة أو نواة مدرسة هي المدرسة الحايكية.
المدرسة الحايكية، يمكن تعريفها بأنها، تعيد ترتيب الحروف الأبجدية من جديد.
نعم، هو عنوان كبير و خطير،
ديوانية متواضعة، منفتحة على مشرقِ الشمس، تغشاها خيوطُ هذا الكوكب الملتهب نهارًا، وفي الليل، كوكب القمر، هو أحد الساهرين على ارائِكها، وشجيراتٌ خضراء، و بعضُ الزهورِ المتجددة، كلّما ارتحلَ منها فوج،
في هذا المجلس المتواضع، تتوالى وجوهٌ من كلِ فجّ، علماء، كتاب، مفكرون، شعراء، قضاة، فلاسفة ومتفلسفون، وأحيانًا، سياسيون، ودائمًا مستمعونَ يحتسونَ الشاي،
حكّ الركاب، هو مصطلح يُستخدم للتعبيرِ عن نقاشات محتدمة، فيها عمقٌ فكريّ، يسندها كلُ طرفٍ بمختلفِ أنواع الأدلة، حسب الموضوع المطروح تشريحًا وتفكيكًا وإعادةَ تركيب،
في ساحةِ البحثِ هذه، لا مجالَ للضعف، فالأفكار، عادياتٌ ضبحا، و التحويلات، مورياتٌ قدحا ، و من كان على الضفاف، فهو يساندُ بآية، أو يذّكر برواية، أو يورد قاعدةً أصولية، أو مبنًى فقهيًّا، وبين هذا و ذاك، تتلى غيباً أراءُ من سبق، من أساطين العلم، تأييداً وتفنيداً. وهنا لا مجالَ للبقاء على الحياد، فإن كنتَ من أهلِ العلمِ، فلا بدّ أن تدلوَ بدَلوك، وأن تبسطَ ما لديكَ من بضاعة، فهنا، مشرحة علمية، يمرّ تحتَ مبضعها كلُ من يخطر ببالك ممن كتبَ علما، فهنا، فَكٍّكَ إبن سينا، وهنا شُرّحَ المفيد، وهنا فُحِصَ ابن عربي، وهنا مرّ الفقهاءُ والأصوليون والإخباريون، وهنا ألمقيمُ الدائم، مفسرو القرآن،
هنا يعمل عقلُك بكل طاقته، وذاكرتك بكل طاقتها، وبلاغتك بكل طاقتها،
هنا تَسقي وتُسقى، كأساً محفٍزة،
هنا المدرسة الحايكية.