ليلة الخميس الماضي، بدعوة من صديقي العزيز الدكتور كماليان، کان المقرر ان أتحدث دقائق في ذكرى الإمام موسى الصدر التی عقدت بکلوب هاوس، لكن لم يكن ذلك ممكناً لی بسبب انقطاع الاتصالات، والآن لتعويض ما فان عنی واداء لدینی للامام اطرح بعض النقاط.
لإمام موسى الصدر رمز العقلانية والحکمة والاعتدال. وفي الوقت الذي اجتاحت فيه موجة اليسارية والثورية العالم، لم ينخدع الامام بالشعارات الخيالية والوهمیة. لقد أدخل شيعة لبنان إلى النص من الهامش دون أن يزرع الكراهية بينهم وبين السنة. وحاول الحد من الكراهية بين المسلمين والمسيحيين. وهو الذي لم يسمح لشيعة جنوب لبنان بدفع ثمن القتال مع النظام الصهيوني وحدهم.
وكان الفدائيون الفلسطينيون الذين نزحوا من وطنهم قد حولوا المناطق الجنوبية من لبنان، حيث يعيش الشيعة، إلى منصة للقتال والعمليات الهجومية ضد العدو المحتل، وكلف تنفيذ مثل هذه العمليات الشيعة تكاليف باهظة. عدا عن ذلك فإن ميليشيات أبو عمار (عرفات) كانت تسيطر عمليا على الجنوب وبيروت، وكانت تصرفاتهم غیر الاخلاقیة مشهورة وشائعة، ومن هذا المنطلق يمكن القول أن الفلسطينيين الذين احتل وطنهم قد احتلوا لبنان فعلا وتحولوا هم الی المحتلين!
سر الخلافات بين الإمام الصدر والفلسطينيين ومساندیهم الإيرانيين هو أن الصدر كان يعلم أن القوات الفلسطينیة تحت قيادة قائد غير متوازن اسمه عرفات لن يتمگنوا من فرض الهزیمة علی إسرائيل ولن يزيدوا إلا جراح شعب جنوب لبنان، ولذلك سعى إلى نوع من الاستقرار فی الحدود مع إسرائيل. ولم يكن هذا الاعتدال والعقلانية مرضيا لعرفات وأنصاره.
بعد أربعة أو خمسة عقود من اختطاف الإمام موسى الصدر، نرى أن حزب الله اللبناني هو الضامن لاتفاق وأمن هذا الکیان المحتل على الجانب الآخر من الحدود مع اتفاق رسم الحدود بين الحكومة اللبنانية وإسرائيل الذی لم یتم اقراره علیه الا بعد حصول رضی الحزب. هذا على الرغم من حقيقة أنه في منتصف الثمانينيات، كان حزب الله يسعى إلى ثورة عالمية للمضطهدين في العالم ضد الاستکبار العالمی وخاصة کان یستهدف تدمير الکیان الصهيوني في إسرائيل.
لو لم يتم اختطاف الإمام موسى الصدر عام 1978 ربما کانت أخذت أحداث لبنان وإيران والمنطقة برمتها منحى مختلفا. وربما كان بتأثيره على الإمام الخميني والملك فهد والأمير السعودي عبد الله وغيرهم من الحكام العرب، كان يمنع سوء الفهم والتجاوزات، ولم يكن ليسمح باستمرار الحرب المدمرة العراقیة الایرانیة لمدة ثماني سنوات وسقوط عشرات الآلاف من الناس الذین قتلوا من الجانبين.. وباختطاف الإمام الصدر عادتدالشیعة تکبدت خسارة جدیدة اضافة الی الخسائر السابقة منذ سقوط حكومة الإمام علي وما تلاها من مرارات.
الإسلام بقراءته الصدریة نسخة مقروءة وجذابة. لقد اعتبر الامام الإنسان یتمتع بكرامة متأصلة وذاتیة واعتبر كرامة الإنسان فوق العبودية. وذكر ذات مرة، في كلمة ألقاها أمام الجمهور اللبناني، أن في اللغة العربية يخلطون بين العبادة والعبادة، ولكن لدينا كلمة للعبادة في اللغة الفارسية أفضل، وهي برستش التی لیس فیها نکهة العبودیة وهی قریبة الی الصلاة او الدعاء وبعیدة عن العلاقة العبد/السید. وكان الإمام الصدر يرى أن الدين في خدمة الإنسان وليس الإنسان في خدمة الدين.