عندما تقرأ في التاريخ عن الطغاة والجبابرة والسفَّاحين، ينطوي أمامك فنوناً من هؤلاء بتعذيب وقتل الشعوب بطرقٍ بربريةٍ وحشيةٍ مفترسة، وتكاد تشعر أنَّ شغلهم الشاغل البراعة في القتل، وكلَّ على طريقته المتطورة والبارعة، لأنّ سياستهم المتبعة هي لنشر الرعب والقتل والموت بين رعاياهم. لكن أحداً لم يفعل ذلك بفخر واعتزاز كما فعل "المجرم الوحشي ـ كاليغولا ـ الإمبراطور الروماني السابق" الذي أعلن:"إن حمل البؤس إلى الرعية ودمارها يشكلان القاعدة الذهبية لسياستنا". إنه القانون عنده تحت قاعدة "الموت سنة الحياة". ذات مرة ألغى قانوناً يعرف باسم "قانون صاحب الجلالة" مفاده معاقبة من يمس شخص الإمبراطور بالموت. لكنه قتل بعد ذلك آلاف الأشخاص باسم القانون "الملغي" كان يُلغي الضرائب ثم يعيدها في اليوم التالي بموجب قانون النصوص على نحو مبهم لا يتيح للمعنيين بدفع الضريبة بحيث يصبحون واقعين في قبضة العذاب دفعوا أم لم يدفعوا. ذات مرة طالب بزيادة الضرائب والهبات والهدايا عندما وُلِدت له إبنة بحجة أن "أعباءه تضاعفت" فإلى "أعبائه كإمبراطور" أضيفت "كرب أسرة" على أنه لم يكن ليكترث للقضايا المالية لكنه كان دقيقاً في حسابات كيفية موت ضحاياه فثمة قائمة لمن يموتون بالسيف وأخرى بسرقة أموالهم، فكان يتمنى لو أنَّ الشعب الروماني برأس واحد لقطعها بضربة واحدة.
أما المجرم الآخر الذي برع في استماع أصوات وصرخات الضحايا هو "الإمبراطور الروماني فالاريس" الذي أوصى إلى صنَّاعه بأن يسكبوا له ثوراً من النحاس مزيَّناً بالجواهر الثمينة ليبهر العيون، توضع فيه الضحية بينما تشتعل تحته نارخفيفة. ولكي لا يفسد مزاجه بشيء، أوصى صُنَّاع بلاطه بأن يجعلوا للثور هيئة يُصعد منها الدخان على شكل غيوم عاطرة من البخور. هكذا كانت صرخات الألم التي تُمزِّق حناجر الضحايا التي تُشنِّف أُذُني "الزعيم" كأنها سهرة سمر تحت ضوء قمر لإعداد "الوليمة" ورائحة لحمها المحترق تبعثُ به وأزلامه إلى عالم النشوة، وبعد الإنتهاء من وليمتهم يتواضع شخص "الإمبراطور" بفتح "الثور النحاسي" بنفسه ويلتقط بيده المباركة "عظام" الضحية وهي تلمع كالذهب، ويوصي أزلامه بصناعة قلائد منها لكل أبناء عصره.
وأما في لبنان، فالشعب بنظر السلطة اللبنانية بأرباب طوائفها ومعاطفها تنظر إلى ضحاياها بأنها ملح الأرض، وملح البحر، وها نحن نوصي باختراع قوانين وآليات تذوِّب الملح والأملاح ليبقى وجه لبنان ماء قراح، تحت مبدأ "الموت سنة الحياة".