من النوادر النادرة للعالم الكبير "الخوجا نصر الدين الطوسي" عندما أقبل عليه رجلٌ وهو جالسٌ في باحة المسجد بُعيد الصلاة، فجانبه قائلاً: "ما المعرفة يا حضرة المُلاَّ؟". "الاطمئنان إلى الجهل"، أجابه المُلاَّ. "فما الجهل إذن؟". "الحماقة، إن لم تقدِّره حق قدره!". "والحماقة؟". "توكُلك والقطيع على العصا". لا يخلو من يومٍ وأنت مسمَّر أمام شاشة التلفاز لسماع نشرات الأخبار، داخلياً وخارجياً، لعلنا نخرج ولو لمرَّةٍ واحدة من تجاويف الطوائف والملل وسياسات الأحزاب، فعسى نسمع ولو لمرَّةٍ واحدة أيضاً، بأنَّ حبَّ الوطن واجب مقدَّس يجب انقاذه من النفق المظلم، لنتفق عليه بدلاً من أن نفترق فيه، ويأكل كرهنا ما تبقَّى في الرأس، ومن حقدٍ وعدم المبالاة وعدم المسؤولية أمام اللله والتاريخ، وما تبقَّى من هياكل وعظام في مؤسسة الدولة والوطن، بعد أن أكل أخضره حقد خلافاتنا وحروبنا الكلامية من خلف الشاشات ونشرات أخبار الطوائف في لبنان.
وأما سماعنا للأخبار الخارجية، وقراءتنا للصحف المحلية والعالمية، فنسمع ونقرأ لبعض الدول المحترمة في العالم، كيف تتعاطى مع شعوبها وتحترمها وتحترم خياراتها وتشعرك بإنسانيتك في كل ميادين الحياة. مثال تبسيطي للقارئ اللبناني، عندما نشرت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية عن فضيحة مصروفات نواب مجلس العموم البريطاني ـ الدولة الكافرة والنجسة ـ مايكل مارتن ـ 2000م ـ 2009م ـ ووصفتها باليوم الأسود، كانت هي السبب بتقديم استقالة رئيس المجلس من منصبه، بالرغم أنَّه خدم بلاده أكثر من ثلاثين عاماً، وعُرف بالنزاهة والاستقامة، ولم يدخل إلى "مغارة علي بابا والأربعين حرامي" إلاَّ أنه استقال تحمُّلاً منه لمسؤولياته السياسية والأخلاقية واستجابةً منه لمنتقديه الذين اتهموه بالإخفاق في إدخال إصلاحات إلى نظام دفع فواتير النواب.
إنَّ النواب لم يضعوا أيديهم على أموال دافعي الضرائب والمودعين أموالهم في بنوك الدولة، ولم يسرقوها ويشحنوها ويهربوها إلى بنوك سويسرا وغيرها، كما فعلوا عندنا، وكما يفعل المسؤولون والزعماء في لبنان، لأنَّ بريطانيا دولة محترمة ومبنية على ديمقراطية صحيحة، وليست على ديمقراطية توافقية خدَّاعة، وعلى أساسات متينة وعريقة وأقلام وصحف تسهر على خدمة المجتمع وتفضح التجاوزات وترفض المساومات، وهذا ما يجعل كشف أجهزة الأمن لكشف الفساد الذي لا تتوانى عن محاربته مهما كان النفوذ المالي والسياسي الذي يتمتع به كل مفسد وناهب وسارق
آسف على إزعاجكم وكل الأسف للمقاربة بين سلطتنا وسلطتهم، لأنني أصبت بدوار، وسنبقى وإياكم كمن صعد جبلاً وهو ينظر إلى أقدام الجبل باحثاً عن "نملة" إنه النفاق اللبناني، الذي سيطر على كل مفاصل حياتنا الاجتماعية والسياسية ـاللائحة طويلة ـ فالسارقون واللصوص نهبوا كل شيء في الدولة، ومستمرون في نهب خيرات وثروات هذا البلد، ومع هذا كله يجدون الكثير الكثير ممن يبررون لهم ويختلق لهم الحجج والذرائع بحجة أنَّ البلد كله فساد بفساد، "ومن بعد حماري ما ينبت حشيش" وهذا هو عين ما حذَّر منه مولانا وأميرنا علي بن أبي طالب (ع) بقوله: (عجباً للسلطان كيف يُحسِن، وهو إذا أساء وجد من يُزكِّيه). الشيخ عباس حايك