على خلفية ما جرى على شاطئ مدينة صيدا قبل أيام، من مشاهد مُستنكرة ومُستهجنة ومُقلقة، يمكن تسجيل بعض الخلاصات المفيدة حول مُفارقاتٍ عِدّة: يمكن الإبتداء بحادثة التّعرّض لإحدى السيدات التي كانت ترتدي لباس البحر "المايوه" بصُحبة زوجها، من قِبل رجل دين وبعض مرافقيه، وهذه والحقُّ يُقال: مخالفة صريحة، لا بل لعلّها خطيئة ترقى إلى مستوى الكبيرة، فهذا المُعمّم ليس مُكلّفاً بفرض "الإحتشام" على شاطئ بحري مفتوح لعامة الناس،
والشيئ بالشيء يُذكر، فقد نشرت الصحافية جيزيل خوري منذ فترة مقابلة لها مع رجل دين مُتزمّت، واختارت من هذه المقابلة هذه النبذة: قالت له، لم تشترط عليّ وضع غطاء الرأس أثناء المقابلة، لكنك لم تنظر إلى وجهي بعد نصف ساعة من التصوير، فأجابها بأدبٍ جمّ: لستُ مُكلّفاً بهدايتك للحجاب، لكنّي مُكلّفٌ بغضّ البصر، وهذا ما يجب أن يتحلّى به أيّ داعية لدين، أو مذهب أو عقيدة(سواء كانت دينية أو دُنيوية)، وعليه فإنّ من هو مُكلّفٌ بفرض التنظيمات والإجراءات الإدارية والأمنية ( Rules)، على شاطئ البحر وفي أنحاء المدينة، ( أي مدينة كانت)، هي السُّلطة المحلية، أي البلدية المُنتخبة من جانب المواطنين، ولها أن تفرض اللباس البحري الذي لا يتعارض مع مصالح المدينة وسلوكيات أهلها وشعائرهم وطقوسهم، وليست المسألة كما طُرِحت خطأً وتضليلاً، مسألة حريات عامة مُنتهكة، فالمُتعارف عليه والسائد والشرعي والقانوني، أنّ السلطات، شأنها شأن المؤسسات العامة والخاصة تعود لها صلاحيات صياغة التنظيمات والإجراءات الإدارية والأمنية، والسهر على تطبيقها، فالمدارس عادةً ما تفرض على طلابها زيّاً مدرسيّاً مُوحّداً، بعضها يرتأيه مُحتشماً، وبعضها الآخر يرتأيه مُتحرّراً، المصارف تفرض على موظفيها ارتداء البدلة الرسمية مع ربطة العنقز.
حتى إذا كان المصرف "إسلاميّاً، تُنزع ربطة العنق، لعدم التّشبّه "بالكُفار" والعياذ بالله، بعض القنوات التلفزيونية تفترض سفور المذيعات، وبعضها الآخر يفرض الحجاب، في معظم الدول المتقدمة، حيث يوجد مسبح مُشترك للسّكان، في مُجمّع سكني، توضع لائحة بالتنظيمات المفروضة، من بينها: ارتداء لباس البحر والإستحمام قبل الشروع في السباحة، عدم اصطحاب الحيوانات إلى فناء المسبح، عدم تناول الطعام والمشروبات الروحية، عدم ارتياد المسبح قبل التاسعة صباحاً، وبعد منتصف الليل، عدم الصراخ وسماع الموسيقى الصاخبة، إلى ما هنالك من إجراءاتٍ تسمح في حال مخالفتها باستدعاء الشرطة لقمع المُخالفين، هذا في حين أنّ بلدنا لبنان يغرق في سيلٍ من المشاكل والعقبات والأزمات والمصائب، وكان في غِنىً عن "همروجة" تلك السيدة، التي استشاطت غيضاً، وخرجت مع بعض النسوة والناشطين نُصرةً وغِيرةً للحُريّات "المُستباحة" على شاطئ صيدا، في حين كان من الأفضل والأصلح الصّفح عمّا حصل، واعتباره حادثاً ظرفيّاً، لا حدثاً حاسماً في تاريخ البلد، وتاريخ الحريات المُنتهكة في طول البلاد وعرضها، والمواطنون صابرون، مهمومون بلُقمة العيش، وفُسحة الأمان، بانتظار فرجٍٍ لا تبدو تباشيره، في ظلّ منظومة فاسدة فاجرة، مع ادّعاء الإحتشام والتّقوى.