لا شك ولا ريب، ان المناورة العسكرية التي اقامها الحزب بمحازات معلم مليتا، والتي دعى اليها حشد كبير من الاعلاميين لم تأتي في السياق الطبيعي للمتغيرات التي تشهدها المنطقة منذ ما بعد الاتفاق الايراني السعودي، وما تلاه من مصالاحات وتهدأة على مستوى الاقليم وبالاخص ان هذه المناورة جاءت ايضا في لحظة انهيار اقتصادي غير مسبوق وانسداد سياسي وتعقيدات كبيرة تحول دون انتخاب رئيس جمهورية يؤشر الى بداية انتظام المؤسسات الدستورية ويمهد بانتخابه لملىء الشغور بمراكز حساسة على مستوى الدولة ومنها شغور موقع حاكم مصرف لبنان او اقالته بعد صدور مذكرة الانتربول بحقه.
يدرك حزب الله وهو المبدع في انتقاء اللحظة بان التوقيت هو توقيت ميت للذهاب الى مناورة تظهّر قوته العسكرية، وبالتالي استخدامها كرسالة ان في الداخل المتظلل باجواء التفاهمات الكبرى، او بالخارج مع الاسرائيلي الذي انسل مسرعا من جولته الاخيرة مع الجهاد الاسلامي وامام كل هذه المعطيات، شهدنا هذا الكم من التخبط والتناقض في قراءة الابعاد الحقيقة للمناورة، وحقيقة الرسالة المرجوة منها حتى ان التضارب وصل بالمتابعين والمراقبين للتفتيش ليس عن مضامين الرسالة فقط وانما عن المرسل اليه، وهل هي موجهة لخصوم الداخل ام لاعداء الخارج ومن هنا فانني احاول ان اتطلع الى المناورة العسكرية من زاوية مختلفة، تعتمد على السياقات التي يتبعها الحزب والمخاوف التي يخشاها قبيل اي خطوة كبرى قد تضطره الظروف الموضوعية للاقدام عليها والتي قد لا تكون منسجمة تماما مع البروبوغندا الاعلامية التي زنّر نفسه بها لسنوات طويلة حتى بات الانزياح عنها امر بغاية الصعوبة وهنا لا بد للرجوع قليلا الى مرحلة ما قبل التوقيع على اتفاق الترسيم مع اسرائيل والتنازل المخزي عن حقل كاريش.
لقد عمد الحزب في تلك الفترة ايضا الى ما يشبه المناورة العسكرية من خلال ارسال طائراته المسيرة فوق حقل كاريش مترافق ذلك مع استنفار عسكري معلن وشبه ظاهر ومصحوبا ايضا بطلات اعلامية لأمينه العام محملة بكل عبارات التهديد والوعيد والصراخ والسقوف العالية والحرب القادمة، كل هذه الضوضاء انتهت بالاخير بتوقيع اتفاق ترسيم الحدود يتضمن اعتراف واضح " بالكيان المؤقت " واعطاء اسرائيل ما كانت لتحلم به، فيما اخذنا نحن خطابات لا تسمن ولا تغني من غاز فاذا اخذنا تجربة كاريش، واخذنا بعين الاعتبار ان اي خطوة تراجعية تُفرض على الحزب وان اي تنازل قد يضطر الحزب المنتصر دوما والذي لا يتراجع البتة في عيون جمهوره وبيئته، فلا بد ان تكون مسبوقة بهوبرات اعلامية ومظاهر قوة لا يمكن ان تتراجع، فاننا سندرك حينئذ بان المناورة العسكرية الفارغة قد تكون هي مقدمة ضرورية للتنازل عن " كاريش الرئاسة " سليمان فرنجية، من اجل دخول الحزب مكرها في تنفيذ توصيات عبد اللهيان بالذهاب الى رئيس توافقي، هذا بعد ان تفهم الجماهير اننا ذاهبون ومتراجعون ومنقادون، ولكن من موقع القوي ايضا .