في كتابه المعنون: "نيتشه مكافحاً ضدَّ عصره" كتب ـ رودولف شتاينر ـ (.. عندما وضعت الحرب البروسية أوزارها لم يشارك "نيتشه" مواطنيه الألمان فرحتهم بالنصر. حتى أنه كتب في عام 1873 في عمله "دافيد شتراوس" عن النتائج ـ السيئة والخطيرة ـ لهذه الحرب التي انتهت بالنصر. لقد رأى أنه من الجنون القول بأنَّ ـ الثقافة الألمانية ـ قد انتصرت في هذه المعركة، وأضاف بأن هذا الجنون يمثل خطراً ماحقاً، وأن هذا الجنون راح يتحكم في أوساط الشعب الألماني، كي يحوِّل الانتصار إلى هزيمة كاملة، إنها الهزيمة التي تحط من قدر الفكر الألماني لصالح الرايخ الألماني...).
ما قيمة أي انتصار من انتصارات الأحزاب اليسارية والفاشية الشمولية أو الدينية الشمولية التي ما زالت تحمل في أبعادها الداخلية مضامين ايديولوجية محدودة ونزعة قومية عنصرية تأخذك بتمجيد شخص، أو قائد، أو فكرة، بمجرد أن يتم ما يسمى بالنصر العسكري أو الإطاحة لأي نظام ديكتاتوري ومستبد بالإنقلاب العسكري، يعتبرونه هذا هو الحل لكل المشكلات العالقة التي تجري في عالمنا العربي، وما يجري اليوم في بلدنا لبنان، فالثقافة في تلك الأحزاب تذهب بنا من خلال تجاربها على الساحة اللبنانية إلى تسميتها بالفيروس الموجود في أدبيات النضال التاريخي وفي ذاكرة المناضلين وفي مذكرتهم المزعومة التي خاطرت على حساب ايديولوجيات لربما ليست موجودة، لأنها اقتصرت فقط بالنضال وبالإنقلاب على ما يسمى بالنظام الديكتاتوري من دون أن تتجه وتحرِّك أي برنامج نحو تغيير هذه الثقافات وترسيخ واضح لمفهوم النقد الموضوعي الذاتي ولمفهوم الديمقراطية بالمعنى الواضح للأقل على مستوى أفراد ومنتمين داخل الحزب الواحد.
يبقى الرئيس مؤبداً حتى النهاية من بعد وصية يوصي بها للأولاد والأبناء في سبيل خط الخط وطريق النضال، وفي هذا تنظم المؤتمرات والإحتفالات بنظم الأشعار والقصائد والخطب النارية، وربما تصل بمعظمها إلى برطمة مثرثرة فارغة. هذا بحسب ما نشاهده في لبنان، لم تضف هذه الأحزاب إلى مفهوم علمانية الدولة أي شيء ما خلا منها اجتهادات تأويلية ثقافية وصولية إلى البرلمان والسلطة والحكم، وعندما تنتقدها بالسياسة فالخطاب جاهز تحت مقولة (لكل حادث حديث) والحديث يجر بالحديث على حد قول بائع البطيخ عندما طالبه أحد المارَّة بعدم رد السلام، فقال له: يا عزيزي الكلام يجر الكلام، والكلام يجر بطيخ، فأصبح لبنان عالسكين يا بطيخ.