ذكاء الأعرابي وظرفه... قال رجلُ من العمّال،"أي الوُلاة بلغة تلك الايام لأعرابي: ما أحسبُك تعرفُ كم تُصلّي في كلّ يومٍ وليلة! فقال له:
فإن عرفتُ، أتجعل لي على نفسك مسألة؟
قال:نعم
قال: إنّ الصلاة أربعٌ وأربعٌ ثم ثلاثٌ بعدهُنّ أربعُ ثم صلاة الفجر لا تُضيّعُ.
قال:صدقت، هات مسألتك؟قال له: كم فقارُ ظهرك؟قال:لا أدري.قال: فتحكمُ بين الناس، وتجهل هذا من نفسك. الملاحظ في تراث الأدب العربي، أنّ أهل الحضر كانوا يستهزؤن بأهل البادية، ويستعلون عليهم بمعارفهم، وشؤون دينهم وعاداتهم، وينسبونهم إلى الجفاء والغِلظة، وكان أهل البادية يردّون بما حباهم الله والطبيعة وخشونة العيش، فتأتي هذه الردود موافقة لفطرتهم وحُسن أدبهم، ونقاء سريرتهم وسرعة بديهتهم، فكان أهل الحضر يرعوون عندئذٍ، ويقرّون لهم بالفضل والسبق.
فإذا أرادوا نشر حكمةٍ أو طُرفةٍ أو فضيلةٍ، أو عُرفٍ محمودٍ من أعراف العرب، قالوا: وقيل لأعرابي..وحضر أعرابي .. وسُئل أعرابي ،حتى أنّ الصحابة كانوا يتحرّجون من طرح بعض الاسئلة على النبي، فينتظرون قدوم الأعراب، ويطلبون منهم ما لم يجرؤا هم عليه،وربما وصل الامر بهم الى رشوتهم ليفعلوا ذلك.