من حقّنا أن نتفائل بهكذا اتّفاق، فقد صمّت آذاننا طبول الحرب، وآذت عيوننا صُور الجثث والقتلى، وقوافل الأحياء المشرّدين المُتسولين، والتي تملأ الطرقات، وتعِجُّ بها مخيمات اللاجئين، وأخبار الذين يلتهمهم البحر في قوارب الموت على شواطىء اوروبا. وملأت صدورنا غيضا وقرفاً لِحى الأصوليين الإسلامويّين الذين استباحوا وطناً بأكمله، ودنّسوا شعوباً بأكملها، وارتكبوا مجازر باسم الدين، ولا أقول بأنّ الدين منهم براء، فهم يُشبهونه وهو يشبههم، فقد ارتكبوا فضائعهم وهم على يقينٍ بأنّهم إنما يُعلون كلمة الله، ويُطبّقون شرييعته على الارض.
حبّذا لو دخلت إيران إلى حظيرة المجتمع الدولي، فتُوقِف توسُّعها الإقليمي الغير شرعي، وأحلامها الجامحة، ومذهبيتها المقيتة في عيون الجميع، فُرساً وعَرباً، فالأمة الايرانية عريقة في تاريخها وحضارتها، والشعب الايراني مكافحٌ وجادٌّ ومُنتج، وليس مُتهالكاً ولا خنوعاً، ويستطيع أن يبني علاقاتٍ متوازنة مع جيرانه العرب، عنوانها الإحترام المتبادل، وحفظ المصالح المشتركة.
إذن فلْيُخفّف المتطرّفون من غلوائهم. فقد أساؤا للأمّتين العربية والايرانية بما فيه الكفاية. حبّذا لو يرتدعوا ويردعوا من سوّدوهم على رقاب العباد، لأكثر من أربعة عقودٍ، باسم مذهبيةٍ عفا عليها الزمن، وهي في زمانها لم تكن صالحة، أمّا مصيبة العرب الكبرى فتبقى الدولة الصهيونية، وظهيرها الأنظمة الدكتاتورية التي استباحت شعوبها، فهدرت ثرواتها وحجزت تقدُّمها، وألقت في غياهب السجون المُثقفين والأحرار والشرفاء. وملأت الدنيا أكاذيب وتُرهات، تارةً باسم فلسطين، وطوراً باسم العروبة أو الاسلام، وأخيراً بالنفخ بقضايا مُقدّسة ،كالمقاومة ومقارعة الاستعمار، فأنزلتها الى الحضيض، وعبثَت بقُدسيّتها، حتى أصبحت مُهانةً على كل شفةٍ ولسان.