أولاً: حكاية ماما عفاف...
ماما عفاف هذه اشتهرت في أربعينيات القرن الماضي، كأشهر قوّادة عرفها لبنان في تاريخه الحاضر والمعاصر، إذ أنّها أدارت وكر بغاءٍ يرتاده عليّة القوم من الطبقة الأرستقراطية الغنيّة، وتعمل في خدمتها فتياتٌ جميلات، في باكورة صباهن، وينتمين لعائلاتٍ معروفة وارستقراطية أيضاً، وكانت ماما عفاف توقِع بهنّ في مكائد لم تخطر على بال إنسٍ ولا جنّ، إذ أنّها كانت تُوظّف عندها بعض الفتيان الذين يتمتعون بوسامة واضحة، وأناقة "مُصطنعة"، وتُوفّر لهم أسباب الرفاه، من سيارة فارهة، وثياب أنيقة، وأموال كافية، وتُطلقُهم في أروقة المجتمع "المخملي"، لاصطياد بنات العائلات المحترمة، حتى عندما تقع الفتاة في حبائل أحدهم، وأقنعها بعزمه الزواج منها، عرض عليها زيارة والدته "عفاف"، وعندما تقبل الفتاة بالترغيب والترهيب، زيارة الماما عفاف، تقع الواقعة، إذ يجري خلال الزيارة الإيقاع بالفتاة، سواء برضاها أو رغماً عنها، بعد تخديرها وتصوير الواقعة وتوثيقها، ليجري بعد ذلك ابتزاز الفتاة كي تكون إحدى بنات الهوى في شبكة ماما عفاف "المصونة".
ثانياً: شبكة حُكّام لبنان "العفيفون".
على ما يبدو، فإنّ اللبنانيين باتوا عالقين في شبكة حُكّام فاسدين، يستقون مبادئهم وقوانينهم وتصرفاتهم وأعرافهم من وحي شبكة "ماما عفاف"، يستدرجون ضحاياهم بالرشاوى والوظائف والأُعطيات، وفُتات الإعانات، مع ما يلزم من شعارات العنفوان والكرامة، وبثّ التفرقة الطائفية والمذهبية، مع سيلٍ من بطولاتٍ "وهميّة" تتصل بمقاومة العدو "الخارجي"، ومُناصبة العداء للعدو "الداخلي"، والشبكة التي يُديرها هؤلاء الحكام، كانت في ما مضى وطناً اسمهُ لبنان، ويدُرّ على أعضاء هذه الشبكة أموالاً طائلة، أين منها تلك الأموال التي كانت تجنيها ماما عفاف في زمانها، وهم في جميع الأحوال يتحلّون بالمهابة والإحترام والسِّتر، كتلك الصفات التي كانت تتحلّى بها القوادة عفاف، وافتضاح أمرهم لعلّه أصعب وأشدّ عناءً ممّا استوجبه فضح مكائد ماما عفاف، وإغلاق وكرها، وسوقها أمام العدالة.
قدِمت وفود العراق على سليمان بن عبدالملك بعدما استُخلف، فأمرهم بشتم الحجاج بن يوسف الثقفي، فقام ابن أبي بُردة بن أبي موسى الأشعري، فقال: يا أمير المؤمنين، إنّا نُخبرُك بعِلم، قال: هات، فقال: كان عدو الله يتزيّن تزيُّن المومسة، ويصعد المنبر فيتكلّم بكلام الأخيار، فإذا نزل عمِل عمَل الفراعنة، وأكذب في حديثه من الدّجال.