(وإذا سألك عبادي عنِّي فإنِّي قريب...) البقرة ـ 186.
أقريبٌ ربنا فنناجيه، أم بعيدٌ فنناديه، فقل لهم يا "محمد" إنَّه يقول: "فإنِّي قريبٌ" فإذا كان مفهوم "القرب" كما ذهبت التفاسير والتأويلات، بحمل الإنسان إلى كنف الله الرحمن الرحيم، والكريم الرزاق، وأنه تعالى يحيط بجميع عباده بأنس الاطمئنان والهدوء والسكينة، والرحمة والعطاء، وأنه تعالى يريد من خلال مفهوم "القرب" بأن يسمو الإنسان ويرتقي إلى رحاب الله المطلقة بلا قيود وشروط، ويعلو به ربنا الخالق عزَّ وجلَّ إلى سُلَّم درجات الخير والعطاء والصفاء لتلك الأنفس الأمَّارة بالسوء والمنع، من أجل الرقي والكمال، إلاَّ أنَّ مفهوم "القرب" في القرآن الكريم، هو عام وشامل، وإذا كان كذلك، فإنه يشمل كل جوانب الحياة الإنسانية، فلماذا التضييق في مفهوم "القرب" من كلام المطلق المتعالي وهو الحكيم الخبير ـ لا تضيِّقوا واسعاً ـ من هنا يقبل هذا المعنى من أن ندرك ونفهم النص القرآني "التشريعي" من خلال مفهوم "القرب" علاقته بهذه الحياة الإنسانية، وإلاَّ فما الجدوى؟ أو ما معنى وجود نص تشريعي من دون إنسان، حينها قد تنتفي الوظيفة والغاية.! ومعلوم بالضرورة من أنَّ الحياة هي دائبة بحركتها إلى التقدُّم والتغيير والإكتشاف دائماً وأبداً على الدوام، فهنا تكون العلاقة بين النص وبين حياة الإنسان، هي علاقة قريبة وملتصقة ولا يمكن انفكاكها وانفصالها، ولهذا يقولون: "بأنَّ الواقع الإنساني المتغيِّر هو جزء من كينونة "النص" ولو لم يكن كذلك، لما كان كلام الله المنزل بالوحي ـ بحسب المعتقد الإسلامي ـ قد اتخذ صيغة اللغة البشرية، التي لا يتم التعامل معها بغير التداخل الإنساني المتغيِّر على الدوام، لكي يُستَفزّ النص دائماً وباستمرار من أجل إخراج معانيه ومكنوناته ومكنوزاته.. ومن أفضل أعمال الإنسان المؤمن والمسلم بأن ينال شرف الصفاء والكمال كما بيَّنت الآيات الكريمة من سورة (البلد ـ فكُّ رقبة، أو إطعامٌ في يومٍ ذي مسغبة ـ 13 ـ 14) هذه الآيات قد تكشف النقاب عن أهم وأعظم أعمال الإنسان هو فكُّ الرقبة والرقاب، وهو كذلك. هنا التساؤل مشروعاً حول مفهوم "فك رقبة"؟؟ التي هي من أعظم العبادات عند الله تعالى، وهي منتفية اليوم إذا كانت فقط محصورة بالإماء والعبيد؟؟ لكن المعنى الإطلاقي في النص القرآني قد يشمل ليس فقط العبد المملوك، بل إلى كل رقبة من أجل تحريرها من الذل والعبودية إلى فضاء الحرية الإنسانية وعدم استيلاب حقوقه المادية والمعنوية التي كرَّمه الله بها ووهبه حريته وفكره حتى يصبح إنساناً مكرَّماً غير مرتهن لأحد على الإطلاق ـ ولقد كرَّمنا بني آدم ـ الإسراء ـ 70.
وربما أيضاً تشمل من خلال الإطلاقات في الآيات الكريمة المتقدمة، من أنًّ مفهوم "فكُّ رقبة" قد تشمل المُرتهن لأي أحد بمالٍ أو بحقٍ آخر، ولعلنا بذلك نكتسب مفهوم "القرب" إلى الله تعالى ويشملنا معنى من أن نكون من "أصحاب الميمنة" الذين يحررون المجتمع من كل المعانات من جوعٍ وفقرٍ ومرضٍ وخوف، حتى نحصل على السعادة والخير في الدنيا والآخرة، ونكون محرزين الفوز في الدارين، وحينها يكون هذا المخلوق هو خليفة الله في أرضه.