لربما استبطنت في عجالة ما كتبت الكاتبة الفاضلة في نقدها لكتابنا (سموم النص ـ الصادر عن مؤسسة الانتشار العربي ـ بيروت ـ لبنان ـ 2018م) أن تأخذ علينا خللاً منهجياً، وهي مع ذلك لها كامل الشكر والتقدير لقراءتها لسمومنا، فظننا من قلم جنتها أن يُحوِّل ذلك السُّم إلى عسلٍ من جنى جنتيها، بيدا أنها سقطت هي أيضاً في ذاك الخلل المنهجي، وإني لأظنُّه خللاً كبيراً، لأنَّ النقد الفكري يجب أن يرتكز على مجموعة أُسس، والخروج عليها يُحوِّل النقد الفكري إلى عبثية، بل إلى عبثٍ لغوي يظهر من خلاله رغبة الناقد في الإساءة والتشفِّي لا النقد والحوار، حتى لا تسكننا لعنة تاريخنا، ونبقى نغوص في الرمال خجلاً أو خوفاً، فمجرد الخوف من أي نقد يعني أننا لا زلنا نحيا عهد التاريخ القبلي المتنازع، ولا يردعنا من ذلك إلاَّ حس النقد الذاتي والموضوعي لتاريخٍ قلَّ فيه الضوء وكثُرت فيه الظلمات، لإزاحة تلك الرمال وبناء الأبراج، بدلاً من الجمود على عقلية واحدة حتى تُسرد الحكاية.
أولاً: نحن من أبناء مدرسة النقد البنَّاء والهادف، وغير المسيَّج بسياج السلاسل والأغلال، ومن مدرسة العقل والاجتهاد المنسوب للإمام جعفر الصادق (ع)، وما ثورتنا في (سموم النص) على الموروث غير النص، إلاَّ لاستنهاض عملية نقد ذاتي داخل الأمة.
اقرأ ايضا: سموم عباس حايك القاتلة
ثانياً: لربما خلطت الكاتبة بين نقد مفاهيم الكتاب من جهة، وبين شخص الكاتب من جهة ثانية، وهذا يمثِّل خللاً بنيوياً منهجياً حادَّاً في عملية النقد، وإلاَّ فما علاقة الكتاب بمواقف أو آراء قد أدلى بها الكاتب عبر شاشة تلفزيونية منذ سنواتٍ خلت، ومن ثّمَّ ما علاقة الصفة التي يمتلكها المؤلف أو الكاتب، سواء صرَّح بها أم لم يصرِّح؟، فهل هذا يدخل ضمن عملية نقد النص في الكتاب؟؟. وهل بالصفات تزدرن الرجال؟ فسواء صرَّح بصفة الشيخ، أم لا، يبقى الشخص شخصاً، وقد يكون من باب التواضع والاحترام وليس من باب الفخر والتفاخر والمفاخرة.
ثالثاً: إن ربط مناقشة الكتاب بأشخاص لا علاقة للمؤلف بهم، لا من قريب ولا من بعيد، ولا بفكرهم وسياساتهم وأفكارهم، وهذا ما يثير التساؤل حول غاية الناقد وأسباب استحضار هذه الشخصيات بل معظمها لا وجود لها في الكتاب، وبعضها دارت حولها شبهات سياسية ويعرف الجميع أنَّ المؤلف أبعد ما يكون عنها، مع التقدير للكاتبة أن تستحضر طاقات علمية التي هي محل فخرنا واعتزانا.
رابعاً: حبذا لو قدَّمت الكاتبة والباحثة والناقدة مقاربة حقيقية وواقعية لمضمون العصف الفكري الذي يحتويه الكتاب بدلاً من بذل قصارى جهدها في نقد صفات الكاتب.
خامساً: بعد قراءتنا للمقال لم نفهم ما هي الأفكار التي اعترضت عليها، وأين تختلف معنا، ولربما نراها تتوافق معنا وتتماشى مع رفضنا من أننا قطب رحى الحقيقية، وإذا كنا لم نقدِّم بديلاً عن الشورى والخلافة، فهلاَّ قدمت لنا الباحثة بديلاً عن تلك السموم التي انتجتها النظريات الدينية، والتي لم تنتج في الأمة إلاَّ خراباً وتقسيماً وتراجعاً وجموداً تورثها الأجيال جيلاً بعد جيل.
على كل حال، فإننا نرى في مجمل مقال الكاتبة محاولة جميلة لنخرج من زنزانة الصمت المخيف، وليقع علينا جميعاً إيقاظ العملاق الساكن والراكد في كياننا وكيان الأمة، لأنَّ الحزن والبكاء ـ كما يقولون ـ لهما أنبل العواطف الإنسانية في مواجهة الطمي، ويبقى الأهم هذا النقد هو المبدأ الأساسي لكافة تحركاتنا، فأي شيء يمر ويحدث من دون نقد فهذا يعني اختفاء المرض والفيروس ولم يعالج داخل الجسد المريض، ونحن نعلم لن يكون هذا بغمضة عين، فإن لم نستمر في نقد مورثنا وثقافتنا، سنورثها كالجينات للأجيال اللاحقة، لتكرس في ذهنه ومخه، حينها تصبح مهمة الخروج صعبة، وأخيراً فإننا ننقد وننقض لأننا نتألم ونتوجَّع، ولأننا نريد لهذا النص وهذا الدين العظيم ما هو أعظم وأفضل، ولأنَّ العثمانيات الدوغمائيات لا تحترم منطق الحياة التي نعيشها بمعاناة وتفاهة بلا شروط... شكراً لك سيدتي الفاضلة السيدة الكاتبة والباحثة سلوى فاضل المحترمة والمفضلة...