أفضى الإتفاق المبدئي السعودي الإيراني إلى نتائج إيجابية عِدّة، لعلّ أبرزها تعهُّد الطرف الإيراني بوقف تدخلاّته في المنطقة العربية، حيث حلّ الخراب والإنهيارات الشاملة في البلاد العربية التي وصل إليها النفوذ الإيراني، سواء في لبنان أو سوريا والعراق واليمن، وهذا الإتفاق قد يدفع بعض من كانوا على عهدهم بالإفتخار بالفتوحات "الإسلامية"، إلى مراجعة قناعاتهم تلك، فها هم العرب الغالبون في تلك الفتوحات باتوا يستجدون من تلك الدول "المغلوبة" والمُستابحة، كإيران وتركيا مثلاً، عدم التدخل في الشؤو العربية و"الإسلامية"، وهذا ربما يُعيد إلى الذاكرة والأذهان معاً، أنّ تلك الفتوحات التي دُعيت بالإسلامية، إنّما كانت وبالاً على الأمة الغالبة (العرب) كما كانت وبالاً على الأمم المغلوبة والمُفتَتحة ( الإيرانية والتركية والهندية)، فعلى عكس ما ادّعى المُفتخرون بتلك الفتوحات أنّها أقامت أمبراطورية عظيمة، حين دانت للعرب، ولأول مرة، أُمَماً كثيرة كالفُرس والتُّرك والبربر، فضلاً عن الطاشناق والباشناق والهنود والبلغار والشيشان، ناهيك عن وصولها إلى أفريقيا وإندونيسيا، في حين أدان المُستنكرون لهذه الفتوحات ما أنزلتهُ من مآسٍ وخسائر في الدول المُفتَتحة والمُستباحة، خسائر طالت البشر والثقافة والأديان والحضارات، وما بقي راسخاً من مآسي الفتوحات في اذهان الشعوب المغلوبة: فرض الجِزية والخراج، وحمل الرقيق من السّبي، ( لا يستثني الأولاد والنساء) إلى المدن العربية والإسلامية للبيع في أسواق النخاسة، أمّا ما ألحقتهُ تلك الفتوحات من ضررٍ في البيئة العربية والإسلامية، فكان أخطر ما يُتصوّر وما يُتوّقع، ولعلّ ما تعيشه الأمة العربية اليوم (التدخلات الإيرانية والتركية) ما هو سوى فصلٍ من فصول تلك المعاناة المديدة، على مدى قرونٍ وعقودٍ من الزمن، ذلك أنّ تلك الدول التي نزل الإسلام بين ظهرانيها، ظلّت غريبةً عنه، ولعلّها ما زالت كذلك، لاختلاف اللغة، وصعوبة هضم المعتقدات الإسلامية والعربية، فإذا كان القُرشيون عانوا طويلاً من سوء فهم الوحي القرآني، فكيف بأمّةٍ كالأمّة الإيرانية والتركية والهندية، وربما لذلك اعتمدت إيران في فترة الإسلام المُبكّر اللغة العربية، ثم ما لبثت أن عادت إلى لغتها الأُم، وقد أدّى الإختلاط الشعوبي فيما بعد إلى ما نشهده اليوم من مُنوّعات "إسلامية" لا حصر لها، لا يوجد إسلام واحد، ولا فقه واحد، ولا قراءة واحدة للقرآن، فهو زاخرٌ في المعاني والمضامين، ناهيك عن التأويلات التي لا حصر لها للأحاديث النبوية، حتى أصبح عندنا اليوم إسلام عربي، وإسلام إيراني وآخر تركي، وقِس على ذلك فيما لا حصر له ولا مُتناهٍ، فالحُكم العربي لم يُكمل قرنهُ الأول حتى جاء أبو مسلم الخراساني من بلاد فارس لمؤازرة أبو العباس السفاح وأزالوا الحُكم العربي، حُكم بني أُميّة، وازداد الإختلاط الشعوبي، وكثُرت الجواري والسّبايا، وتسرّى بهم الخلفاء والقوّاد، فما من خليفةٍ عبّاسيٍّ إلّا وأمُّه سريّة، أو أمُّ ولدٍ بلغة تلك الأيام، ثم جاء البويهيون وجلُّهم من الديلم وجاء بعدهم السلاجقة وهم أتراك، وما لبث أن أصبح عسكر الخلافة العباسية من الأمم الداخلة في الإسلام، ولم يبقَ قبل الغزو المغولي من سؤدد العرب سوى اللّغة، وحتى هذه ما لبث أن ساهم في تقعيدها أُناسٌ لم يكونوا عرباً، فأدخلوا في نحوها قواعد تنتمي إلى لغتهم الأم، وطعّموها بألفاظهم الدخيلة، وعندما تمّت حركة الترجمة كان التثاقف بين العرب وغيرهم قد بلغ مبلغه، وما لبثت السلطة أن أصبحت غير عربية قبل الغزو المغولي.
يأمل العرب "الغالبون" بالأمس من الأمم "المغلوبة" اليوم ان تُنهي هذا الحصار الذي فرضتهُ إيران من الشمال الشرقي على المنطقة العربية، والحصار الذي فرضتهُ تركيا من الشمال الغربي، علّها تتفرّغ لمواجهة العدوان الدائم من إسرائيل القابعة في قلب العالم العربي والإسلامي، وتٌنازع إيران وتركيا ( وروسيا المُستجدّة) محاولات الهيمنة على الأمة العربية جمعاء، ولا من يسمع أو يصيح: واعرباه، وامُعتصِماه.