أولاً: سُنّة المنظومة الفاسدة بالإستدانة المُستدامة.
عندما حلّ الرئيس الراحل الشهيد رفيق الحريري رئيساً للوزراء لأول مرة عام ١٩٩٢، بعد سقوط حكومة الرئيس الراحل عمر كرامي، تحت سنابك التضخم المالي، بدأ الرئيس الراحل مرحلة الإستدانة الباهظة، وذلك للنّهوض بأعباء الإعمار وبناء الدولة، لذا راح رحمه الله، يُوزّع الأموال العامة يميناً وشمالاً، وفي كلّ اتّجاهٍ ومجال: تأهيل المباني العامة والطرقات، استيعاب الميليشيات في مؤسسات الدولة ودوائرها، تعويضات للمهجرين فاقت كلّ خيال، استيعاب زعماء الطوائف والميليشيات وإغداق الأموال عليهم، تضخم جهاز الدولة الإدارية والأمنية والقضائية، وعندما لامس الدين العام حدود العشرين مليار دولار، سألت إحدى الصحافيات الرئيس الراحل الحريري سؤالاً مباشراً: كيف ستتحمّل الخزينة العامة فوائد هذا الدين؟ فأجاب مُمازحا: طالما أنا رئيس حكومة، أنا كفيلٌ بسداد هذا الدّين، ورغم تربّعه في سدّة الرئاسة الثالثة ردحاً من الزمن، حافظ الدين العام على ارتفاعه وتفاقمه، وبعد تنحّي الحريري عن الحكم واستشهاده فيما بعد، ضلّ الدين العام يرتفع حتى لامس حدود المائة مليار دولار، وأصبحت الإستدانة سُنّة مُتّبعة حتى يومنا هذا، ألا تقف المنظومة السياسية الفاسدة منذ أكثر من ثلاثة أعوام على أبواب صندوق النقد الدولي، مادّةً يدها في سبيل الحصول على حفنة من الدولارات، بدّدت المنظومة إياها أضعافاً مُضاعفة من المليارات في سياسات دعمٍ مُتهورة، وفي حادثة مشهورة في مجلس النواب، عندما أقرّ المجلس النيابي قانوناً يُرتّب أموالاً طارئة على الخزينة العامة، فقال وزير المالية يومها علي حسن خليل مُخاطباً الرئيس نبيه بري: لا توجد اعتمادات لهذا القانون، فأجابه الرئيس برّي: عليك بالإستدانة كما جرت العادة.
سُنّة الخليفة الراشد عمر بن الخطاب في الإستدانة...
الشيئ بالشيء يُذكر، كان الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أحرص الناس على الخزينة العامة( بيت المال بلغة تلك الأيام )، فقد أرسل عمر إلى الصحابي عبدالرحمن بن عوف( الذي سيختارهُ فيما بعد مُقرّراً للجنة الشورى لاختيار الخليفة الثالث) يستسلفُهُ أربع مائة درهم، فقال عبدالله بن عوف: أتستسلِفُني وعندك بيت المال، ألا تأخذ منه ثم تردّه، فقال عمر: أخاف أن يُصيبني قدَري، فتقول أنت وأصحابك: اتركوا هذا المال لأمير المؤمنين، فيؤخذ من ميزاني يوم القيامة، لكنّي أتسلّفها منك، لِما أعلم من شِحّك، فإذا مِتُّ جئتَ فاستوفيتها من ميراثي.
رحم الله عمر بن الخطاب، وغفر الله لحُكّامنا الميامين.