وهذا يعلم الله، لا يحدث إلّا في لبنان، لا رئيس جمهورية ولا من يحزنون، ولا رئيس حكومة ولا من يحكمون، ولا مجلس نواب ولا من يُشرّعون، لا قضاء ولا جامعات ولا مستشفيات، ولا مصارف، الاضطرابات تسود مختلف القطاعات، لا كهرباء ولا مياه، كلّ ما في الأمر، صراعات ومُناوشات وتقاذف مسؤوليات، وتعطيل المؤسسات الدستورية، وترك القطاع العام في حالة شللٍ تام، والتّفرّج على الفوضى الضاربة في القطاعات الإنتاجية والتجارية، والأنكى من ذلك تلك السجالات حول تسعير البضائع بالدولار الأميركي بدل الليرة اللبنانية المستضعفة، في حين أنّ الدولار هو سيّد الساحة منذ أكثر من ثلاثة أعوام، هذا في حين نمت وترعرعت وفرّخت أكثر من مائة خليّة ثورية لإصلاح النظام وقطع دابر الفساد، بينما يرزح لبنان تحت وطأة حكم خمسة أو ستة "خروات"، أي فاسدين مارقين لا ذمّة لهم ولا دِين، يصولون ويجولون هم وزبانيتهم وأنصارهم وأتباعهم،يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يقولون، وتأتي عليهم أيامٌ لا يقولون ولا يفعلون، يتربّعون على كراسيهم، تُزيّن الأوسمة صدورهم، رواتبهم مؤمنة مع المخصصات الإضافية، ومُلحقاتها من النّهب والصفقات والتشبيح، في عهدتهم فِرَق أمنية للحراسات والمواكبة، مع سيارات رسمية تقلّهم إلى بيوتهم ومرابع لهوهم وترفهم، بعد أن تكون قد أمّنت الخدمات اللازمة للزوجات والأبناء والأحفاد، والخليلات متى لزِم الأمر، دون أن يخطر ببال أحدهم بذل بعض الجهد لسدّ شغورٍ رئاسيٍّ من هنا، أو تأليف حكومة جديدة من هناك، أو سنّ قوانين تشريعية تحمي المواطنين وتقيهم ذلّ الحاجة، وتدفع عنهم ضائقة الجوع والحرمان والهوان.
صحِب أعرابيٌّ الفقيه سفيان بن عُيينة وسمع منه ثلاثة آلاف حديث نبوي، ولمّا فرغ من ذلك، سأله سفيان عن ما حفظه، وعمّا رسخ في ذهنه، فقال الأعرابي، حفظتُ ثلاثة أحاديث، الأول قوله صلّى الله عليه وسلم: أُحبُّ من الطعام الحلوى والعسل، وقوله عليه السلام: إذا حضرت الصلاة وقُدّم العشاء، فابدأوا بالعشاء، وقوله عليه السلام: ليس من البِرّ الصوم في السّفَر.