طالعني ... بعمل اللي بدك ياه ... بعمل خدّامة عندك .
هذا ما قالته الطفلة من تحت الانقاض والتي تحمي رأس أخيها المستلقي جانبها حين رأت احدا ما.
أعتقد أن هذا الاحد والذي انشغل بتصوير الصغيرة والحديث معها كان لا شك يلبس لباس الدفاع المدني مما اوحى للصغيرة أنه من رجال السلطة.
لم نر في عيون الصغيرة بارقة امل في عينيها وهي تتحدث وفوقها سقف مدمر مع من رأته وسمعت صوته، على عكس ما هو مفترض أن يكون عليه الحال، فلم تطمئن هذه الصغيرة المسكينة أن الرجل سوف ينقذها، بل هي لم تشك أنه سوف يتركها وأخيها لمصيرهما المؤلم، ولهذا شعرت بضرورة التوسل اليه لينقذها.
لم تعتقد للحظة هذه الصغيرة أن على هذا الكون من يمكن أن يمد لها يد المساعدة وأن يعطف عليها من دون أي مقابل، فهذا ليس من ديدن مشاهداتها وما عايشته وتعرفه عن مجتمعها وناسها ومن هم حولها، وبالاخص إذا كان من أهل السلطة ويرتدي لباسها، فهي لم تعرف عنهم إلا أنهم قتلة ومستغلين ووحوشا.
لم تتعلم هذه المسكينة، أن من حقها أن تعيش وأن تتلقى العون والمعونة، فلم تصرخ في وجه مصورها أن لماذا تأخرتم أو بان يترك الهاتف وكمرته من يده وأن يقوم بواجبه المهني والانساني وأن ينقذها وينقذ أخاها بل رأت ان التوسل اليه وإغرائه بمقابل أن تكون خدامة عنده هو السبيل الوحيد للوصول الى المساعدة المرجوة.
لم تتعرف هذه المسكينة إلا أن كل من يحيط بها هم عبارة عن وحوش بهيئة بشر، فحكامها وحوش ومن في السلطة وحوش ومجتمعها عبارة عن وحوش ومن هم ضد النظام وحوش، والوحوش هذه لا وظيفة عندها ولا تتقن إلا فن قتل الاطفال والناس لا أن تحميهم وتساعدهم.
لم تشعر هذه المسكينة ان الوحش القابع فوقها هو اكثر وحشية من الرجل الذي كان يصورها لأمر هي لا تعرفه، كل ما شعرت به أنها الآن بين وحشين، وحش أخرس فوقها ووحش آخر يمكن الحديث اليه والاستغاثة به لعل وعسى
هذه المشهدية المأساوية والتي تشكل زلزالا من قلب الزلزال، استوقفتني كثيرا، كما استوقفت كثيرين منهم الصديق رائد الامين الذي كتب على صفحته : " براءة أطفال سوريا تفضح أنه أول ما يرونه هؤلاء الاطفال في الناس هو ان الناس أشرار، حيث أن أول ما يمر في ذهن آلاء عند رؤيتهم ليس هو فرحا سريعا بوجودهم بل افتراض انهم قد يتجاهلونها ويؤذونها ، وفكرة أن عليها أن تحارج على حقها البديهي بالخروج من تحت الانقاض بالقول " طالعني ...
بعمل اللي بد ياه .. خدامة عندك أنا " خلصت الدنيا مع الاء.
فإذا علمنا أن حركة " الصفائح التكتونية " هي سبب الزلازل وما تخلفه من دمار، فإن ما يجب أن لا نتجاهله أن ثقافة الاستبداد وأنظمة الاستبداد تخلق لنا أطفالا وجيلا مضطربا نفسيا ويحمل داخله زلازل ولا استقرار لعلها أخطر آلاف المرات من الزلازل الطبيعية .