منذ الانتفاضة الشعبية في تشرين الأول عام 2019، بدأت الأحوال تتدحرج من سيىء إلى الأسوأ، بشكل دراماتيكي ومتسارع، في وقت بقيت المنظومة الحاكمة الفاسدة، غارقة في خلافاتها، وعاجزة عن التصدي للإنهيارات المتنقلة بين مختلف القطاعات الحيوية، فضلاً عن فشلها في الحد من مضاعفات هذا السقوط المريع لليرة اللبناني ،وبعد ان ودع اللبنانيون السنة المنصرمة وأيديهم على قلوبهم من أن تكون السنة الحالية أسوأ من سابقتها، رغم أن الأخيرة كانت الأقسى نقدياً ومعيشياً ومعاناةً، على الأكثرية الساحقة من اللبنانيين.
فمن المفترض ان تعود العجلة السياسية الى الدوران بعد توقف قسري فرضته عطلة الاعياد، حيث من المقرر ان يستأنف رئيس مجلس النواب نبيه بري توجيه الدعوة لعقد جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية بعد ان اصبح اقرب الى فقدان الامل في تلبية دعوته الحوارية المخصصة لانتخاب رئيس بعدما تمسك كل من التيار الوطني الحروالقوات اللبنانية بموقفهما الرافض لهذه الدعوة .
واذا كان الاستحقاق الرئاسي هو الخط العريض في الاجندة الداخلية، فإنه لم يُسجل في الايام الماضية اي تواصل بين القوى الفاعلة بهذا الخصوص، مما ابقى الامور على حالها، وسط تكهنات بإمكانية ان يستمر امد الفراغ الرئاسي لبضعة اشهر اضافية بفعل الاستقصاء الداخلي وامتناع الاطراف السياسية عن اعتماد لغة الاخذ والرد، وكذلك بفعل عدم الاستعجال الخارجي في حل الازمة اللبنانية والتعاطي مع لبنان على انه ليس اولوية بالنسبة لديهم في هذه المرحلة، وبالتالي فإن مسألة انتظار ما قد يأتي من الخارج كما جرت العادة في استحقاقات سابقة غير مجدية أقله في الوقت الراهن، كون ان الاهتمام الدولي هو الآن بعيد جداً عن لبنان وبالتالي فإن هذين الوضعين يبقيان على الاستحقاق الرئاسي راهناً في المدار الضبابي الذي تسوده الاجتهادات والتكهنات غير المبنية على اية وقائع ملموسة .
وفي هذا السياق، فإن مصادر سياسية متابعة تؤكد أن الواقع السياسي لن يبقى في حالة المراوحة على مستوى الانتخابات الرئاسية لوقت طويل، وانه من المتوقع ان تبدأ بالظهور على الساحة الداخلية تحركات سياسية وإطلاق نوع من المبادرات في سبيل تحريك المياه الرئاسية الراكدة، وان هناك من الاطراف السياسية، وفي مقدمهم التيار الوطني الحر، سيلجأ الى طرح مبادرات وربما اسماء مرشحين ايضاً، وهذا إن حصل يُعد نقطة انطلاق ايجابية في اطار العمل على فتح قنوات التواصل ومحاولة الوصول الى تفاهم على انجاز الاستحقاق الرئاسي، لان كل الافرقاء باتوا على دراية بأن استمرار الوضع السياسي على حاله من الانكماش لن يؤدي الى انتخاب رئيس، كما انه سيلحق الضرر بالاستقرار الذي بات يقف على عتبة الانهيار، وان هذه الوضعية حذر منها اكثر من دبلوماسي اجنبي وكان آخرهم وزير الدفاع الفرنسي الذي حمل الى لبنان تحذيراً شديد اللهجة من قصر الإليزيه من ان استمرار الوضع اللبناني على حاله من الانشطار السياسي والانهيار الاقتصادي والمعيشي سيؤدي الى انفجار اجتماعي قد يتحول الى تدهور امني يدفع بلبنان الى الانزلاق الى الهاوية خصوصاً وان مقومات الصمود عند الدولة، كما عند المواطنين، باتت شبه معدومة، وان فرنسا في هذه الحالة باتت تخاف على لبنان من الانهيار ككيان والوصول الى مكان مخيف لا يجرؤ احد التكهن بما ستؤول اليه هذه الاوضاع .
وازاء هذا الخوف الفرنسي من تدهور الوضع في لبنان حمل الوزير سيباستيان لوكورنو رسالة دعم فرنسية الى قيادة الجيش، في اشارة واضحة الى رغبة باريس في ان يكون الجيش اللبناني جاهزاً ومستعداً للتعامل مع اي تطور امني من شأنه ان يهدد امن واستقرار لبنان الذي ما تزال تعتبره فرنسا خطاً احمر ترغب بالمحافظة عليه وعدم السماح بتجاوزه مهما كانت الاسباب .
وتكشف المصادر عن ان الرئيس بري تلقى في فترة الاعياد دعوة من اكثر من طرف سياسي يتمنون فيها عليه تكرار الدعوة الى الحوار، غير ان الرئيس بري حافظ على جوابه الذي قاله لكل من راجعه بهذا الخصوص، وهو انه حاول بدل المرة مرتين في الدعوة للحوار لقناعة لديه بأن التوازن السياسي الموجود في البلد لا يمكن ان يأتي برئيس للجمهورية ما لم يكن هناك توافق بنتيجة حوار مسبق، غير ان هناك مَن رفض الدعوة الاولى وكذلك الثانية، وبالتالي فإنه ليس في وارد الدعوة الثالثة طالما المواقف السياسية على حالها، وطالما هناك من يرفض حتى فكرة الحوار.
ختاماً لا جدوى من كل الدعوات في الداخل والخارج الى الإنقاذ، لأن كلفته باهظة على المافيا. فالحد الأدنى الذي يضمن إنتظام العمل العادي في آلة الدولة صار تحقيقه مهمة صعبة جداً. إنتخاب رئيس للجمهورية مشكلة. تأليف الحكومة مشكلة. عمل المجلس النيابي مشكلة ومهزلة. إيجاد حلول للأزمات المالية والإقتصادية والإجتماعية مشكلة. وكل الخطط التي يتم تقديمها على الورق تعمّق الأزمات، لأن حجر الأساس فيها هو حماية المافيا وتدفيع الناس المنهوبين ثمن ما نهبه اللصوص .