يعتقد معظم اللبنانيين أنّ المقاومة( أية مقاومة في التاريخ) هي نتاج بشري، ولها بُنية تتحدّد بظروف نشأتها، وبلورة عقيدتها، كما تتحدد بهوية القائمين عليها، وبمُجريات تمويلها وتسليحها، وتعيين أهدافها، ومتابعة تنفيذ عملياتها، ومن ثمّ لا بدّ من تقييم أدائها، ومُعالجة مُعضلاتها، وإخضاعها للنّقد والمُساءلة، باعتبارها أولاً وآخراً هي نتاج بشري، يخضع للمعتقدات، ويقع تحت تأثير الأهواء والمصالح والمطامع، ونزوات البشر أو سُمُوّهم.
هذا في حين ذهب أقطاب المقاومة الإسلامية في لبنان( أي حزب الله ) إلى رفع "مقاومتهم" إلى مصاف المُقدّس، وأسبغوا عليها صفات العُلوّ والطُّهر وامتناع وضعها موضع النقاش والجدال والتّقييم، لأنّها معصومة عن الخطأ والزلل، وارتكاب الكبائر، وأنّ مجرد توجيه مثل هذه التهم لها، يؤدي إلى تهديد وجودها، بعد أن أصبحت واجبة الوجود( كالله سبحانه وتعالى)، لذا لا يمكن التصويب على جرائم قد ترتكبها( تحت حجج مقاومة العدو الإسرائيلي ومقارعة الأمبريالية الأميركية)، كجرائم القتل والخطف والإغتيال، أو الإعتداء على قوات الأمم المتحدة (Unifel) في جنوب لبنان، فهذه تُهمٌ خطيرة لا تقوم المقاومة بارتكابها، حتى إذا قامت شُبهةٌ حولها، كما حصل منذ يومين في منطقة "العاقبية" الجنوبية، الواقعة تحت نفوذ حزب الله، فالأفضل والأيسر أن يجري إلصاقُ الجريمة ب"الأهالي"، ذلك أنّ الأهالي لا يمكن تحديدهم، ولا تعيينهم، ولا يمكن "التحقيق" معهم، ولا يمكن "اعتقالهم"، فهم جموع "غاضبة"، سرعان ما يتجمعون، وسرعان ما يتفرقون، كما أنّهم سرعان ما يُستدعون كلما اقتضت مصلحة المقاومة الإعتداء على قوات الأمم المتحدة أو على غيرهم( الإعتداء على ثوار انتفاضة السابع عشر من تشرين الأول)، وهكذا تبقى المقاومة بمنأى عن كلّ سوءٍ أو ضررٍ قد يلحق بها، إلّا أنّ زُخرُف الكلام لا يُثبّت زلَلَ الأقدام.