اولاً: الرئيس الراحل بشير الجميّل والرئيس "المرتّ"...
قال قائد القوات اللبنانية ومؤسّسها الرئيس الراحل الشيخ بشير الجميّل، قبل انتخابه رئيساً للجمهورية في خطابٍ تاريخيٍ له: لا نريد بعد الآن إن يأتينا رئيس جمهورية "مرتّ"، أو "ممّن يفركون بأيديهم"، وكلمة "مرت"، يستعملها العامة والخاصة للتعبير عن مهانة الشخص المعني وخساسته، وجذرها فصيح، لا كما يعتقد البعض، جاء في لسان العرب لإبن منظور: الرّث والرّثة والرثيث هو رديئ المتاع وأسقاط البيت من الخُلقان، ونقول: ثوبٌ رثّ وحبلٌ رث، ورجلٌ رثُّ الهيئة في لُبسه، والرّثةُ خُثارة الناس وضعفاؤهم، شُبّهوا بالمتاع الرديئ، والمُرتثّ: الصريع الذي يُثخنُ في الحرب، ويُحملُ حيّاً به رمقٌ ثم يموت.
كان الراحل بشير الجميّل لا يريد رئيساً مُرتثّاً ولا من خثارة الناس وضعفائهم، لسموّ مقام الرئاسة وهيبتها.
ثانياً: البطريرك الراعي يتخلى عن فكرة الرئيس "القوي"...
عشية انتخاب رئيس جمهورية جديد للبلاد عام ٢٠١٤، جمع غبطة البطريرك الراعي زعماء الموارنة الأربعة "الأقوياء": أمين الجميّل وسمير جعجع وسليمان فرنجية وميشال عون، وذلك للاتفاق على انتخاب رئيس جمهورية جديد "قوي"، وحُصرت المهمة بهؤلاء الزعماء الأربعة، الخارقين قوّةً وعزيمة، وشاءت الظروف أن هبّت رياح الجنرال ميشال عون، بعد أن أيده سمير جعجع، وأذعن سليمان فرنجية لإرادة حزب الله، ورضي الجميّل بالأمر الواقع.
كانت تجربة الرئيس عون القوي مُخيّبة للآمال، فقد كان مُرتثّاً بالفعل والقول معاً، لذا يُناشد البطريرك الراعي نُواب لبنان هذه الأيام لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، لملء الفراغ الرئاسي، حتى لو كان مُرتثّاً بخلاف توصيات الرئيس الراحل الشيخ بشير الجميّل، فالساحة السياسية باتت خالية من الرجال الأقوياء، بعد حال الإنهيار الشامل، وتدهور الحسّ الوطني الحر، والإنحطاط الخُلقي، واضطراب الأوضاع الإجتماعية والاقتصادية والإنمائية والتعليمية والقضائية، التي تسبّب بها ذات يومٍ رئيسٌ قويٌّ جدّاً، مع صهره الأقوى منه، حتى بات غبطة البطريرك الراعي ينادي صباح مساء: مرحى، مرحى بأيّ رئيس، مرحى برئيس "مرتّ"، فرُبّ ضارّةٍ نافعة.