سيترحم اللبنانيون كثيراً على رؤوساء الجمهورية السابقين، الذين شغلوا المنصب وغادروه كفافاً، لا لهم ولا عليهم، ولم يسمع أحدٌ من المواطنين بأبنائهم وأصهرتهم وأقاربهم وأتباعهم، ونخصّ بالذكر منهم الرؤساء الراحلين: فؤاد شهاب وشارل حلو والياس سركيس.

 


مناسبة هذا القول، ظهور الرئيس ميشال عون بالأمس، وفي آخر أيام ولايته الرئاسية، وهو يصرخ جهاراً نهاراً، مُطالباً بحُصّته (أي حصة باسيل) كاملة غير منقوصة، في بازار تأليف حكومة جديدة، نعم قالها أمام الملأ: نريد حصتنا كاملة، مع إقراره بحُصص الآخرين، لا همّ عنده سوى حصته، تتعثر ولادة الحكومة، يتعثّر البلد  يتعثر الإقتصاد، يهوي المواطنون إلى قعر جهنم( كما سبق ووعد بذلك)، سيّان عنده، وكان نائب التيار الوطني الحر الياس ابو صعب قد سبق عون بأشواط، منذ ست سنوات، عندما أصرّ على أن يأخذ عون حُصته كاملة كرئيس للجمهورية، بالإضافة إلى حصة كتلته النيابية، هذا مع وجود تسجيلات صوتية لعون يُطالب بعدم إعطاء حصة وزارية للرئيس السابق ميشال سليمان، كونه لا يمتلك كتلة برلمانية، وكان قائد القوات اللبنانية سمير جعجع قد طالب عون وباسيل بإعطائه حصته كاملة حسب اتفاق معراب، حتى باء بالفشل بعد الإنتكاسة التي أصابت ذاك الإتفاق، الذي سبق للوزير السابق ملحم رياشي قد هندسه "بعناية" مع النائب إبراهيم كنعان، وفي جميع الأحوال، حصة الرئيس نبيه بري محفوظة، مع حرصه الدائم على حصة حليفه سليمان فرنجية، وحصة حزب الله لا يستطيع أحد المسّ بها.

 


ماذا بقي في الجُعب من حصَص، لعلّ ما تبقّى حصة الشعب، إنّها ضائعة، لأن لا أحد يهتم بمصائب هذا الشعب اللبناني الصابر، الحكام يهتمون بحصصهم ومصالحهم وحصص أتباعهم وزبانيتهم، وعيونهم شاخصة هذه الأيام على الاستحقاق الرئاسي، الشعب اللبناني في عُرفهم وقاموسهم وسلوكياتهم غير موجود أصلاً، ولا يليق بكرامتهم أن ينزلوا إلى مستواه، شعب المدن الذي تخمّرت النفايات في أحيائه، وزحف الجوع والعطش والعتمة إلى زوايا بيته، شعب الأرياف الذي يُطالب بدعم التفاح والموز والقمح والبطاطا والزيتون والألبان، الشعب اللبناني الذي يكدح للحصول على لقمة العيش الكريمة، بينما حُكّامه غارقون في الفساد والنهب المتمادي، لا يجتمعون إلّا عندما يستشعرون خللاً ما في بنية النظام، أو تهديداً لمصالحهم ومنافعهم الشخصية، عندها فقط يجتمعون، لِيُلوّحوا بالعصبيات الطائفية والمذهبية والمناطقية، فتظهر على السطح إبداعات "الميثاقية"، وحقوق المسيحيين التي ابتلعها "إخوانهم" المسلمون، وعندما يظفر الرئيس "القوي" وصهره المدلل، بالصفقات والعمولات المطلوبة  يتُمّ سحب هذه الشعارات وتغليفها ووضعها على "الرف" بانتظار استعمالها كلما دعت الحاجة لذلك.

 


بالله عليكم، أعطوا الرئيس حصته، حتى تتألف الحكومة العتيدة، فلم يبق من حشرجات ولايته سوى ساعاتٍ معدودات.