لا شك ولا ريب ان خطوة قبول حزب الله باتفاق الترسيم مع اسرائيل هو خطوة كبيرة جدا، الى حد انها الصدمة لدى كثير من المراقبين وانا منهم، باعتبار ان الاعتراف باسرائيل وحدودها وحقها بالحياة، تعتبر في النخاع الشوكي لعقيدة الحزب من سابع المستحيلات ومن الكبائر التي لا يجوز حتى مجرد التفكير بها.
ولسنا بحاجة هنا الى النقاش او الجدل بان الترسيم ولو من خلف ستارة الدولة اللبنانية الممسوكة بيد الحزب عن بكرة ابيها، هو إعتراف فاضح لا مجال معه للشك عند من يتمتع بادنى العقلانية، هذا فضلا عن مضامين الاتفاق المزمع عقده وما يحتوي من تنازلات رهيبة ومخيفة عن حقوق لبنانية مثبتة بالوثائق والمستندات حسب ما يؤكد ذلك اهل الاختصاص.
أما القول بحسب سردية الحزب بأن المسوغ الاساسي لاقدام الحزب على هذه الخطوة الكبيرة والانعطافة الضخمة بالاعتراف باسرائيل انما يقف خلفها الازمة الاقتصادية ومعاناة الشعب اللبناني، فان هذا الادعاء هو اقرب الى النكتة السمجة، لان الحريص على رفع الضيقة والمعاناة عن اللبنانيين، لا يتحالف مع ساريقهم، ولا ينتخب ناهبي اموالهم، ولا يحمي سبب الجحيم الذي يعيشونه، ولا يذهب الى فراغ رئاسي وتعطيل عجلة مؤسسات الدولة ولا يزال حتى لحظة كتابة هذه السطور.
فإذا سلمنا بان خطوة الاعتراف باسرائيل هي خطوة كبيرة جدا جدا جدا، ادت وسوف تؤدي الى تهافت كل ادبيات الحزب وعلى مدى " اربيعين ربيعا " والاسس التي عليها بنى مشروعه السياسي والايديولوجي وعمادها القضية الفلسطينية، وتحرير القدس، وعدم الاعتراف باسرائيل، وبسبب هذه الراية عاد الدول العربية ( المطبعة )، وقاتل في كل الدنيا وهو يبحث عن "طريق القدس" ودعم الفاسدين وتحالف معهم تحت مبرر حماية " سلاح المقاومة لتحرير فلسطين " ورفض طرح البطريرك الماروني بخيار الحياد بحجة ما يسمى بالصراع العربي الاسرائيلي .
فإذا سلمنا بحجم هذه الخطوة ( الاعتراف باسرائيل )، فهذا يوجب علينا أن نفتش عن مبرر وسبب حقيقي بحجم خطورة الخطوة ويتناسق مع هكذا تحول ضخم في مسيرته ، وهنا لا يمكن ان نجد مبرر وحجة ومسوغ ودافع الا مصلحة النظام الايراني، التي ( بحسب عقيدة الحزب نفسه ) امامها تسهل كل التضحيات وتتيح له " شرعا " ارتكاب كل الموبقات من سفك دماء الى القتال الى مناصرة المستبد وبذل الغالي والنفيس في حمايته مرورا بالتغاضي عن تجار الكبتاغون ووصولا الى تجنيد شبكات في كل دول العالم ، فعلى اعتاب مصلحة النظام الايراني يستطيع الحزب ان يبذل كل ما لديه حتى ماء وجهه وصدق شعاراته، فالحفاظ على مصلحة نظام ولاية الفقيه ( بحسب تعبير الامام الخميني المؤسس ) هو افضل حتى من الصلاة والصوم.
ومن هنا فقط يمكن ان نفهم هذه المصادفة الغريبة بان يتزامن الاعلان عن تخلي لبنان عن حقل كاريش لاسرائيل، مع اعلان موافقة الخزانة الاميركية بيع النفط الايراني في الاسواق العالمية ورفعه الى مليوني برميل اي بزيادة 1،6 مليون برميل يوميا وعليه فيكون الجواب البديهي عن السؤال حول قبول الحزب بهذه الصفقة : انها مصلحة النظام الايراني يا عزيزي .