الفقه في اللغة العربية: العِلمُ بالشيء وفهمه، وغلب على علم الدين، لسيادته وفضله على سائر أنواع العلم، كما غلب النجمُ على الثريا، قال ابن الأثير: واشتقاقه من الشقّ والفتح، وجعله العُرف خاصّاً بعلم الشريعة، وقال غيره: الفقه في الأصل؛ الفهم، قال الله تعالى؛ ليتفقّهوا في الدين، أي ليكونوا عُلماء به، وقال الأزهري: قال لي رجلٌ من كِلاب وهو يصف لي شيئاً، فلمّا فرغ من كلامه، قال لي: أفقهتَ؟ يريد أفهمتَ؟ وفي حديث سلمان( صاحب النبي صلى الله عليه وسلم وصاحب وئام وهاب في زماننا) أنّه نزل على نبطية في العراق، فقال لها: هل مكانٌ هنا نظيف أُصلّي فيه، قالت: طهّر قلبك وصلِّ حيث شئت، فقال سلمان: فقهت، أي فهمت.
في أيامنا هذه، لن تجد أفقه من جبران باسيل، أي أفهم وأحذق وأبرع، فعندما كان وزيراً للطاقة والمياه، صال وجال في ميدان علوم الكهرباء، وابتداع الحلول الناجعة لأزمة الكهرباء التي ورثها عن أسلافه وزراء الفساد، وقليلي الحيلة والفهم طبعاً، فاهتدى بفهمه وعبقريته للحلّ التركي، ألم يقدم الأتراك أنجح الحلول للدراما العربية بمسلسلاتهم الرائعة؟ بلى، حين امتلأت الشاشات العربية واللبنانية بتلك المسلسلات الرائجة، وأسماء الحسناوات التركيات وصُورهنّ الخلّابة، فأحضر لنا جبران باسيل فاطمة غول، وأتبعها بإحدى شقيقاتها، بمبلغٍ فاق المليار ومئتي مليون دولار أمريكي فقط لا غير، قبضها نقداً من خزينة الدولة، بعد رفضه العروض الكويتية، أمّا علومه الهيدروليكية فتفتّقت عن سدود مائية، لا تحفظ بيئةَ ولا تجمع مياهاً، وعندما تسلم وزارة الإتصالات، دأب أسبوعياً على عقد الندوات التي يشرح فيها للمواطنين الغافلين( قليلي الفهم) آخر ما وصلت إليه عبقريته في ميدان الإتصالات، وعندما تسلم وزارة الخارجية، أبدع في مفاهيم الميثاقية، وانتزاع حقوق المسيحيين من أفواه المسلمين "الظَّلمة"، ومخاطر اللاجئين السوريين على الأرض اللبنانية، وتوالت زياراته إلى الأميركيتين سعياً وراء مواطنين لا يعرفون لبنان ولا أين يقع، في حين أنّ ابن اللبنانية من أبٍ أجنبيّ، ويعيش بين ظهرانينا، ولا يعرف وطناً غير الوطن الذي نشأ وترعرع فيه، ومع ذلك يُحرم من الجنسية اللبنانية ولا يدخل في حساب جبران باسيل( بحجج التمييز العنصري).
هذه الأيام الحالكة، تفتقت افهام باسيل عن ورقة تقدم حلولاً جذرية للمعضلة الرئاسية الأولى أطلق عليها عنوان: "أولويات الرئاسة"، ونقلها لغبطة البطريرك الراعي الغافل( كعادته) عن الأولويات التي نزل الوحي بها على باسيل، وحيد عصره، ومن ثمّ سلّمها إلى عمه رئيس الجمهورية في بعبدا، علّه يستدرك ويهتدي بمنعرجاتها في أواخر أيام حكمه البائس، ومن ثمّ سيطوف بها على سائر الكتل النيابية والمرجعيات السياسية التي غابت عنهم الأولويات والبديهيات، فالوزير السابق جبران باسيل لا ينطق عن الهوى، لذلك هو لا ينفكّ عن الظهور على اللبنانيين لِيُتحفهم بفقهه وعلمه ودرايته في مختلف شؤون "الأمّة" اللبنانية، وفتاويه وإرشاداته مؤسسة على صخر، لا على جرفٍ هاوٍ، كما يسعى لذلك المُبطلون المُنحرفون، وفي طليعتهم قائد القوات اللبنانية.