على عكس الرغبة الأمريكية، فقد قرر تحالف "أوبك بلس" في أول اجتماع مباشر له بعد أزمة كورونا في 2020، خفض الإنتاج بمعدل مليوني برميل يوميا بدءا من تشرين الثاني/ نوفمبر القادم.
وارتفعت أسعار النفط فور إعلان التحالف قراره بنسبة أقل من 1 بالمئة، حيث وصل خام برنت القياسي إلى حوالي 93 دولارا للبرميل بينما خام نايمكس اقترب من عتبة الـ87 دولارا، بعد أن كانت أسعار النفط بشكل عام تتجه للهبوط لتصل إلى 80 دولارا.
وكسر هذا القرار حاجز الصمت في البيت الأبيض، حيث وصفه على لسان المتحدثة باسمه كارين جان بيار بالخاطئ، واتهمت في البيان المنظمة بأنها بهذا القرار تنحاز لمصالح روسيا.
ووفقا لبيان البيت الأبيض، فقد وجّه بايدن وزارة الطاقة للإفراج عن 10 ملايين برميل أخرى من الاحتياطي البترولي الاستراتيجي الشهر المقبل، وقال: "في ضوء قرار أوبك اليوم، ستتشاور إدارة بايدن أيضًا مع الكونغرس بشأن أدوات وسلطات إضافية لتقليل سيطرة المنظمة على أسعار الطاقة".
ركود اقتصادي
وكان الرئيس الأمريكي قد طلب خلال زيارته للسعودية في تموز/ يوليو الماضي من دول الخليج رفع إنتاج النفط،، حيث وعد وقتها المواطن الأمريكي بنتائج ملموسة لهذا الطلب على أسعار الوقود في بلاده، التي ارتفعت بشكل كبير آنذاك.
من جهته، أكد أستاذ الاقتصاد في جامعة أوكلاند الأمريكية، مصطفى شاهين، أن "هناك أزمة كبيرة جدا في الولايات المتحدة مع ارتفاع أسعار النفط، حيث سيمثل ذلك عبئا ماليا كبيرا على المواطنين، الذين يملك معظمهم سيارة أو اثنتين".
وأوضح شاهين خلال حديثه لـ"عربي21"، أن "ارتفاع أسعار النفط يعني زيادة في أسعار المحروقات، وبالتالي ارتفاع سعر مادة البنزين على معظم المواطنين الضعف الذي هو أصلا مرتفع، حيث وصل في ولاية ميتشيغان إلى 4.5 دولار للغالون الواحد، وفي بعض الولايات يصل إلى 6- 7 دولارات، وبالتأكيد هذا الصرف المتضاعف على الوقود سيؤدي لتقليل استهلاك المواطن لسلع أخرى".
وتابع: "أصبح كل مواطن أمريكي يشعر بضرورة تقليل الاستهلاك بالمواد الأخرى خاصة في ظل قرار أوبك خفض الإنتاج ومع اقتراب الشتاء، وهذا سيؤدي للخصم من رصيد وشعبية الحزب الديمقراطي".
لافتا إلى أن "ارتفاع أسعار الوقود سيضع عبئا اقتصاديا ثقيلا على المواطنين الأمريكيين، ما أنه سيؤدي لركود شديد جدا في الاقتصاد الأمريكي ولن يجعله يتعافى، أيضا يمكن أن تزداد البطالة وترتفع أسعار المواد الأخرى".
البدائل
وسبق قرار أوبك بيومين تراجع للدولار وعائدات سندات الخزانة الأمريكية، حيث هبط مؤشر الدولار، الذي يقيس أداءه أمام ست عملات رئيسية، كذلك عادت أسعار البنزين للارتفاع قبل شهر واحد من الانتخابات النصفية.
وكانت ادارة بايدن قد وجهت بعض مسؤوليها وفقا لشبكة "سي إن إن" للضغط على الدول المنتجة، حتى لا يتم خفض إنتاج النفط، الذي سيؤدي بالضرر البالغ على أسعار الوقود في الولايات المتحدة، كذلك سعيا منه للوصول بالاقتصاد الأمريكي إلى مرحلة التعافي من الركود.
مدير برنامج سياسات الخليج والطاقة بمعهد واشنطن، سايمون هندرسون، يرى أن "ارتفاع أسعار النفط سيؤدي لإبطاء تعافي الاقتصاد الأمريكي، كذلك سيكون له تأثير سياسي سلبي على الديمقراطيين، حيث سيتم إلقاء اللوم عليهم في انتخابات التجديد النصفي الشهر المقبل".
وأوضح هندرسون في حديث لـ"عربي21" أن "التأثير السلبي لارتفاع أسعار النفط بعد خفض أوبك بلس للإنتاج لن يقتصر على أسعار الوقود فقط، فارتفاع البنزين سيؤدي لرفع تكلفة نقل السلع الأخرى التي تُنقل بريا، وبالتالي رفع سعر هذه السلع".
النفط يرتفع بعد قرار "أوبك+" خفض الإنتاج الشهر المقبل
وحول تنبؤ المحلل الاقتصادي مصطفى شاهين بزيادة الركود في الاقتصاد الأمريكي قال هندرسون: "اعتمادًا على كيفية حسابه، فإن الاقتصاد الأمريكي في حالة ركود بالفعل، وبالتالي فإن ارتفاع أسعار النفط لن يساعده على التعافي".
وعن خيارات واشنطن لإيجاد بدائل للنفط الذي تتزود به من دول "أوبك"، أكد هندرسون، أن الحل هو زيادة إنتاج النفط المحلي، لكن في ذات الوقت هذا القرار يعارضه الديمقراطيون المعارضون للوقود الأحفوري، وسيكون من المثير للاهتمام معرفة ما إذا كان موقفهم سيتغير!".
تأثير سياسي سلبي
وجاء قرار أوبك الصاعق لإدارة بايدن مع اقتراب موعد انتخابات التجديد، والتي تعقد بعد نحو شهر من الآن، وهو ما شكل حرجا لإدارة الرئيس الديمقراطي أمام ناخبيه، خاصة بعد الوعود التي قطعها لهم بحل أزمة ارتفاع الوقود.
ووفقا لاستطلاع رأي أجرته شبكة "إن بي سي نيوز" في شهر أيلول/سبتمبر الماضي، كان الحزبين متعادلين من ناحية رغبات الناخبين بالتصويت في انتخابات التجديد النصفي.
وأشارت الشبكة في خبرها إلى أن نسبة التصويت في الاستطلاع للحزبين كانت متعادلة، حيث بلغت النسبة لكليهما 46 في المائة، كذلك ارتفعت نسبة تأييد بايدن إلى 45 في المائة.
ولفتت الشبكة إلى أنه على الرغم من ارتفاع شعبية بايدن، إلا أن الجمهوريين يحتفظون بالمزايا الرئيسية التي يمكن أن تدفعهم للفوز بالسيطرة على الكونغرس ومنصب حكام الولايات في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك 63 في المئة من الناخبين الذين يعتقدون أن دخلهم يتراجع عن تكاليف المعيشة، وكذلك 58 في المئة لا يوافقون على طريقة إدارة وتعامل بايدن للملف الاقتصادي.
من جهته أكد الباحث في الشؤون الأميركية والشرق أوسطية، جو معكرون، أن "ارتفاع أسعار النفط على الاقتصاد الأميركي الذي يمر بمرحلة تضخم بالتأكيد سيكون له تأثير على حظوظ الديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي وعلى شعبية بايدن".
وأوضح معكرون خلال حديثه لـ"عربي21"، أن "هناك مخاطر سياسية على شعبية بايدن عشية الانتخابات النصفية، لكن هناك وقت كافي لاحتمال تغيير المعادلة وتخفيف حدة المخاطر الانتخابية على الحزب الديمقراطي في هذه الانتخابات".
وحول حديث هندرسون عن أن الحل الأنسب الآن هو زيادة إنتاج النفط المحلي قال معكرون: "الرئيس الأمريكي بالفعل أصدر قرارا بضخ 10 مليون برميل نفط احتياطي من الاحتياط الاستراتيجي، وأعتقد أنه سيكتفي بذلك في المدى المنظور، إلا إذا تدهورت الأمور إلى الأسوأ اقتصاديا".
وأكد أن "الوقود الأحفوري فيه تعقيدات داخلية"، فيما استبعد أن يلجأ بايدن إلى هذا الأمر إلا إذا كان الملاذ الأخير اقتصاديا، بحسب قوله.