ينتظر أن يحدّد رئيس مجلس النواب نبيه بري 14 من الجاري موعداً للجلسة الثانية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، ومع انعقاد هذه الجلسة سيدخل الاستحقاق الرئاسي في مرحلة سيسمّيها البعض مرحلة تبادل المعنيين تعطيل نصاب الجلسات الانتخابية الذي من شأنه اذا استمر حتى نهاية الشهر الجاري ان يُفضي الى فراغ في سدة رئاسة الجمهورية مع انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون.
بعد الجلسة الانتخابية الاولى التي رُفعت لفقدان النصاب قبل الدخول في الدورة الثانية من الانتخاب، ستنعقد الجلسة الثانية على اساس نصاب الثلثين من اعضاء مجلس النواب، اي 86 نائباً من اصل 128، ويفوز المرشح اذا نال الاكثرية المطلقة من الاصوات، اي 65 نائباً. ففي الدورة الاولى من الجلسة الانتخابية الاولى نال المرشح ميشال معوض 36 صوتاً مقابل 63 ورقة بيضاء و10 اصوات لـ«لبنان»، ومثلها للمرشح سليم ادة وصوتين «مختلف» وصوت لـ«نهج رشيد كرامي». وعندما هَمّ رئيس مجلس النواب بفتح الدورة الثانية من الاقتراع تبين ان نصاب الجلسة قد فقد، حيث احتسب 85 نائباً بَقوا في قاعة المجلس، اي اقل من الثلثين بنائب واحد.
ولأنّ الجلسة النيابية الجديدة ستنعقد على اساس نصاب الثلثين والفوز بالاكثرية المطلقة فإنّ المتوقع لها ان لا تنعقد لأن النصاب لن يتوافر لها، لسبب ان مختلف الكتل النيابية والسياسية لم تحسم خياراتها النهائية بعد على مستوى الترشيحات. ففيما اعلن رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ان معوّض هو «المرشح النهائي» لفريق المعارضة، يردّد البعض ان لدى المعارضة مرشحاً آخر وجدياً ما تزال تتكتّم عليه حتى اللحظة المناسبة، علماً ان بعض الاوساط رددت في هذا السياق اسم وزير الخارجية السابق ناصيف حتي لكن لم يظهر بعد ما يؤكد وجود هذا الترشيح.
وفي المقلب الآخر لم يعلن فريق السلطة والموالاة مرشحه رسمياً بعد، وهو سيعلنه لحظة توافر النصاب لانعقاد اي جلسة سواء كانت الجلسة المقبلة او الجلسة او الجلسات التي ستليها، والفارق هذه المرة بين الاستحقاق الرئاسي السابق والاستحقاق الحالي هو انّ «حزب الله» وحلفاءه دعموا في السابق ترشيح العماد ميشال عون وواظبوا على ممارسة «حق ديموقراطي» بعدم توفير نصاب الثلثين لأي جلسة الّا حينما ضَمنوا فوزه، وقد حصل ذلك عندما انبرى الرئيس سعد الحريري وتيار «المستقبل» وحزب «القوات اللبنانية» وكتلة «اللقاء الديموقراطي» الى تأييد ترشيح عون، بعدما أيقنَ الحريري ان ترشيحه آنذاك لرئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية لن يُفضي الى فوزه لأنّ «حزب الله» وحلفاءه كانوا ملتزمين سياسياً وادبياً بدعم ترشيح حليفهم عون، فهم لم يكونوا في وارد التخلي عن هذا الالتزام على رغم من انّ فرنجية هو حليفهم ايضاً. علماً انه لو لم يؤيّد نواب «المستقبل» و»القوات» و«الديموقراطي» وغيره ترشيح عون لكان الفراغ الرئاسي استمر الى الآن لأنه يستحيل في لبنان التسويات والتوافق انتخاب أي مرشح رئاسي من دون التوافق المُسبق عليه.
ولذلك في الوقت الذي سيحرص فريق الموالاة على عدم تأمين نصاب الجلسة الانتخابية الا لحظة استكمال العدة اللازمة من الاصوات التي تضمن فوز مرشحه، فإنّ فريق المعارضة من جهته سيعتمد الاسلوب نفسه بحيث انه لن يؤمن النصاب لأي جلسة إلا في لحظة تأكّده من انّ مرشحه سيكون مضمون الفوز بالاكثرية النيابية المطلقة سواء كان معوض، او غيره في حال ثبت انّ لدى هذا الفريق مرشحاً آخر مُخبئاً سيُفاجئ به الآخرين في الجلسة الانتخابية.
وفي هذاالسياق يسعى معوض، وهذا من حقه الطبيعي كمرشح، في غير اتجاه ولدى نواب «قوى التغيير» ونواب كتلة «الاعتدال الوطني» العكارية بُغية كسب تأييدهم، وربما ينجح في كسب بعض الاصوات منهم، ولكن بقية الاصوات قد تتحول «اوراقاً بيضاً» في صندوقة الاقتراع. والبعض يقول انّ الرجل قد ينال 55 الى 60 صوتاً، لأنه لم يتحول بعد مرشح توافق بين الجميع، علماً أن كتلة «الاعتدال» تميل الى تأييد فرنجية الذي تربطه علاقة متينة بأعضائها.
والواقع انّ فريق الموالاة لم يُعلن ان فرنجية مرشحه، ولكنه يتصرف إزاء الاستحقاق الرئاسي وفق معادلة «لا يُرشِّح وإنما سيدعم مُرشّحاً»، ويقصد بالمرشح هنا ذلك الذي يحظى بالتوافق والذي لا بد من ان يقع الخيار عليه انطلاقاً من الحيثية التي يتمتع بها. وما دفع هذا الفريق الى اعتماد هذه المعادلة هو إدراكه انّ البلد في الظروف القاسية والخطيرة التي يمر بها لا يتيح لأيّ فريق بمفرده فرصة الاستحواز على رئيس من صفوفه، وانما يفرض انتخاب رئيس توافقي يتحمّل الجميع مسؤولية الاتيان به ثم يتحمّلون معه مسؤولية العمل على انقاذ البلاد.
والبعض يقول انه في خلال الايام المتبقية من ولاية عون التي تنتهي في 31 من الشهر الجاري ستكون «الاوراق البيض» نجم الجلسة او الجلسات الانتخابية التي ستنعقد خلالها، الإ في حال هبطت «كلمة سر ما» من «مكان ما» و«قلبت ظهر المجنّ» وقادت الجميع الى التصويت لـ«الرئيس التوافقي» الموعود، من دون الاسقاط من الحسبان الدعوات الاقليمية والدولية الى إنجاز الاستحقاق الرئاسي في موعده الدستوري وعدم الذهاب الى فراع في سدة رئاسة الجمهورية بدءاً من الاول من تشرين الثاني المقبل.
وفي موازاة ذلك وتحسّباً لأي طارئ فراغي، تنصَبّ الاهتمامات على إمكان تأليف حكومة قبل العشرين من الشهر الجاري تتولى صلاحيات رئاسة الجمهورية بالوكالة الى حين انتخاب رئيس جديد، وتقطع الطريق امام جدل دستوري عقيم يمكن أن يَنشأ في حال تَولّت حكومة تصريف الاعمال هذه الصلاحيات. علماً انه في حال عدم انتخاب رئيس قبل نهاية عون، وهذا ما يرجّحه كثيرون، فإنّ ما بعد 31 تشرين الاول لن يكون كما قبله على مستوى الاستحقاق الرئاسي حيث تسقط المهل ويبرز الى الساحة الرئاسية اكثر من مرشح من خارج القوى والكتل المنغمسة الآن في المعركة الانتخابية ترشيحاً واقتراعاً.
ويرى مُتعاطون بالشأن الرئاسي ان العملية الانتخابية قبل 31 تشرين الجاري تبدو في ظاهرها انها تدور بين معوض الذي تبنّت المعارضة ترشيحه على ما يبدو حتى الآن وتسعى الى حشد الاصوات اللازمة لتأمين فوزه، وبين فرنجية الذي لم يعلن فريق السلطة والموالاة أنه مرشحه رسمياً ولكنه يؤيده ضمناً، وستكون له فرصة كبيرة في الفوز في حال بَدّل «التيار الوطني الحر» برئاسة النائب جبران باسيل موقفه ايجاباً منه وصَوّت له، فإن حصل ذلك يمكن ان يتأمّن نصاب الثلثين ويتم انتخابه.
اما في حال انقضَت ولاية عون ولم يُنتخَب رئيس، فإنّ المنافسة ستكون بدءا من الشهر المقبل بين فرنجية وقائد الجيش العماد جوزف عون الذي سيمنحه سقوط مهل الاستقالات في هذه الحال فرصة ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية، وهنا ستدور الاسئلة حول الخيارات التي ستلجأ اليها كل الكتل النيابية والسياسية إزاء هذين الترشيحين، وأيّهما سيكون الخيار التوافقي داخلياً وخارجياً. هذا الخيار الذي يصنع عادة الرئيس العتيد في كل استحقاق، وقد اعتاد عليه اللبنانيون منذ ما قبل اتفاق الطائف، بل من الاستقلال عام 1943 الى اليوم.