يعتزم رئيس مجلس النواب نبيه بري الدعوة الى جلسة نيابية جديدة هي الثانية لانتخاب رئيس جمهورية جديد قبل منتصف تشرين الأول الجاري، داعياً الجميع من كتل نيابية وسياسية الى التوافق على اسم الرئيس العتيد لاقتناعه وكثيرين أنّ هناك استحالة في انتخاب هذا الرئيس ضمن المهلة الدستورية، او حتى بعدها، ما لم يتوافر هذا التوافق، بدليل ما انتهت إليه الجلسة الأولى من نَيل المرشّح ميشال معوض 36 صوتاً مقابل 63 ورقة بيضاء، وتَوزّع بقية الأصوات على «لبنان» وسليم إدة و»نهج رشيد كرامي» و»مختلف».
يعتقد سياسيون متابعون للاستحقاق الرئاسي في قراءة جديدة لترشيح النائب ميشال معوض، انّ لهذا الترشيح أبعاداً زغرتاوية بحتة، لأنّ الرجل يسعى الى اكتساب صفة المرشح الرئاسي لهدف إحداث توازن مقابل رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية كمرشح رئاسي، وفي ظنّه انّ الرأي العام سيتأثر بهذا الامر وتتكرّس في ذهنه فكرة انّ في زغرتا قُطبَين، وانه في يوم ما يمكن ان يُنتَخَب رئيساً للجمهورية. علماً ان معوض يدرك تماماً انه لن يستطيع ان يفوز بالرئاسة، أقله في هذه الدورة، نظراً لعجز المعارضة عن إيصال رئيس يشكل تحدياً للفريق الآخر، أي «حزب الله» مع حلفائه.
ولكن يبدو ان معوض قد استفاد من التخبّط الحاصل داخل صفوف المعارضة التي لم تتفق مع «التغييريين» على مرشح وأرادت الذهاب الى اعتماد مرشح ممّن يُسمّون «سياديين»، وذهبَ الى ترشيح نفسه بعدما عجز رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع عن فرض نفسه كمرشح رئاسي لكل الفريق المعارض، وبعدما رفض النائب نعمة افرام ان يكون مرشحاً تصادمياً، وبعدما ثبتَ باليقين انّ جعجع لم يؤيّد ترشيح رئيس حزب الكتائب سامي الجميّل ايضاً.
ومن هذا المنطلق استطاع معوض ان يكسب صفة المرشح الرئاسي ضارباً عرض الحائط بإمكان الالتقاء مع سليمان فرنجية لاعتبارات زغرتاوية كونه ابن بلدته، وكونه صاحب الحظ الأوفر في الوصول الى سدة الرئاسة، فكان ان قبل معوض بأن يواجه فرنجية من دون ان يأخذ في الاعتبار أخلاقيات العمل السياسي، أي انه يمكن ان يقبل ان يكون مرشح المعارضة لو كان مرشح الفريق الآخر من غير بلدته.
وللمفارقة والمعلوم انّ لعائلة معوض علاقات تاريخية مع الولايات المتحدة الاميركية، إلا انّ هذه الاخيرة ولاستحقاقٍ رئاسي لبناني ثان على التوالي تبقى منفتحة على سليمان فرنجية ولم تضع «فيتو» على ترشيحه، ما يعني ان ليس لمعوض أي تأثير على سياسة الادارة الاميركية في لبنان كونها تُغدق عليه المساعدات المادية التي يصرفها في زغرتا وخارجها عبر «مؤسسة رينيه معوض».
على انّ الملفت هو انّ عدداً ممّن يخشون التعرّض للعقوبات الاميركية يلجأون الى معوض ليساعدهم لدى الجانب الاميركي على تجنّب هذه العقوبات او رفعها إن كانت مفروضة، ليتبيّن لهم لاحقاً انّ الرجل يستفيد من الاقبال عليه بسبب هذا الامر على رغم من إداركه ضمناً انه غير قادر على تقديم المساعدة لهؤلاء كَون الادارة الاميركية لا تعترف بلغة الوساطات.
ويعود المُتتبّعون للاستحقاق الرئاسي بالذاكرة الى الوراء، فيقولون إن آل معوض الممثّلين بالسيدة نايلة معوض ونجلها ميشال، يُوالون دائماً خصوم فرنجية، وايام الوجود السوري كانوا يوالون الفريق السوري المتمثّل بعبد الحليم خدام. وفي المرحلة التي تلت استشهاد الرئيس رفيق الحريري ذهب آل معوض الى المحور الآخر المناهِض لفرنجية المتحالف مع «حزب الله» وحلفائه، اي الى تيار «المستقبل» ومن ثم «القوات اللبنانية».
وعندما اختلف فرنجية مع «التيار الوطني الحر» تحالفَ آل معوض مع رئيسه جبران باسيل، وعندما اندلعت ثورة 17 تشرين عام 2019 تركوا باسيل والتحقوا بأحضان «الثورة». وفي ايام الانتخابات اصطدموا بـ»الثورة» ممثّلة بلائحة «شمالنا»، ولا يزال النزاع مُستفحلاً بينهما، بدليل البيان الشديد اللهجة الذي صدر عن النائب ميشال الدويهي غداة جلسة انتخابات رئاسة الجمهورية الاخيرة.
وفي المقابل يُسجّل لآل فرنجية بزعامة سليمان فرنجية الثبات على الموقف، وعدم ترك حلفائهم في اصعب الظروف، فعلى رغم ما حصل في سوريا خلال السنوات الاخيرة لم يترك فرنجية حليفه الرئيس بشار الاسد، بل ظل مواظباً على زيارته من حين الى آخر، وشأنه في هذا كان كشأنه في حرب تموز 2006، عندما عقد مؤتمراً صحافياً في 14 تموز وأعلن فيه تأييده الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله ودعمه بكل ما يمكنه ان يقدّمه، فهو يدرك انّ الثبات على الموقف يُكسبه احترام حلفائه وخصومه خصوصاً على المستويين الدولي والاقليمي. علماً انّ فرنجية تربطه علاقات احترام مُتبادل مع الغرب، وقد ظهر ذلك جلياً في اكثر من استحقاق، على حد قَول المُتتبّعين للاستحقاق الرئاسي.