أثبتت وقائع تدخل حزب الله في مُجريات المفاوضات الجارية بين لبنان وإسرائيل حول ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، وإذعان لبنان للتّخلّي عن مطالبته بالخط "29" الذي يحفظ حقوق لبنان وسيادته على حوالي"1400" كلم مربع، صِحّة ما ذهب إليه وضاح شرارة في كتابه "دولة حزب الله" منذ ما يزيد على نصف قرن من الزمن، فالحزب الخمينيّ هو الذي يُملي على اللبنانيين ما يصلُحُ لهم ويليقُ بهم: قِتالاً وأحلافاً ومشاعر وعداوات، مع إضافة صفة المُسلّمة العامة إلى ما يراه هو، ويحتسب منه مصلحةً ومنفعة، فإذا أدّت هذه إلى وصاية سياسية ثقيلة على الدولة اللبنانية، وإلى تصديع أبنية المجتمع اللبناني تحت وطأة تصريف وتحكيم خارجيّين لا يُراعيان أعرافه ولا معاييره، لا ينفكّ الحزب الخميني ومعه رهطٌ من "الموالي" وأصحاب الريوع من تسمية فعله مقاومةً وكرامةً وانتصاراً.
تحقّقت اليوم طروحات شرارة فعلياً وعملياً، مع رعاية حزب الله للمفاوضات الجارية هذه الأيام بوتيرة مُتسارعة بين لبنان وإسرائيل حول الحدود البحرية المشتركة بينهما، مع قرب تنازل لبنان عن جزءٍ كبيرٍ من حقوقه في مياهه البحرية، ليُطيح هذا الحزب بما تبقّى من سيادة لبنانية، ومن علاقات خارجية مع محيطه العربي والدولي.
وما استباحة الحزب الخميني سوى النتيجة الطبيعية لفرض الوصاية التامة على الدولة اللبنانية وسيادتها، وعلى أجهزتها العسكرية والأمنية والقضائية، وقنواتها الدبلوماسية، والتّلطي خلف شعارات المقاومة والإنتصار، كما تبجّح بالأمس النائب محمد رعد، عندما ادّعى بأنّه لوى عنق الإسرائيلي في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية.
لطالما زيّن هذا الحزب للّبنانيّين عامةً، والشيعة خاصة، أنّه يحمل لهم مع الطهارة الشيعية التاريخية الجهادية، حداثة جديدة في السلوك والمُعتقد، ما سيعود عليهم بالمجد والتُقدم والرخاء، وتحقيق الهدف المنشود، بعد رضوان الله تعالى، وهو إقامة دولة العدل والإحسان، ومحق دولة الظلم والعدوان، ودحر العدو المُغتصب لأرض فلسطين، وخدمة الناس بأشفار العيون، لتتمخّض التجربة اليوم عن مشاهد مُريعة: تفكُّك أوصال الدولة اللبنانية ووضعها على حافة الهلاك، تعطيل مؤسساتها الدستورية وإداراتها العامة والخاصة على السواء، إعاقة عمل القضاء والمؤسسات الأمنية، وليس هذا وذاك سوى الوجه الإستبدادي من الحداثة المزعومة( كما يقول ت.آدورنو) والذي يُطيح بوعود العدل والإنصاف والإيمان، ودولة الكرامة والإنتصار.