تتقاطع المبادرات الرئاسية في لبنان مع اهتمامٍ دولي مواكبٍ لترسيم الحدود من جهة والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي من جهة أخرى، وسط حال من الترقب للحالة التي وصلت إليها الأمور، فإن الخشية كبيرة من أن يكون لبنان على أبواب مرحلة شديدة الخطورة، وبعدما بدا واضحاً أن البلد ذاهب إلى شغور في موقع الرئاسة الأولى، فيما رئيس الجمهورية لا يترك مناسبة، إلا ويطلق خلالها مواقف تحذيرية تزيد من حالة الإرباك والقلق عن مسار الأمور بعد انتهاء عهده، إدا لم ينتخب خلف له.
كلام رئيس الجمهورية ميشال عون الأخير وعلامات الاستفهام حول الخطوات التالية في حال عدم إنجاز الاستحقاق الرئاسي وفي حال عدم تشكيل حكومة، دفع بباسيل إلى إطلاق سجالٍ سياسي دستوري في ماهية الخطوات التي سيقوم بها لاحقاً، ولا سيما أن كل ما طُرح سابقاً من احتمالات له إشكالياته الدستورية والسياسية على حد سواء
غير أن كلام رئيس التيار الوطني الحر في مؤتمره الصحافي الأخير، الذي قدم فيه ما يشبه البرنامج الرئاسي المقبل داعياً إلى حوار وطني، أوضح بشكل أدق ما هي الخطوات اللاحقة الممكنة لتياره في حال دخول الجمهورية في شغور في ظل حكومة تصريف أعمال .وهو إذ أنهى الجدل في إمكانية بقاء عون في القصر قائلاً: نحنا كمان مش مصدقين ايمتى يفل"، إلا أنه اثار نقاشاً من نوع آخر مستفزاُ فيه ومن خلاله العصبية الأهلية المسيحية ضد احتمال ان تبقى حكومة تصريف الاعمال قائمة، قائلاً إن كلّ وزير سيتحول إلى رئيس جمهورية في حال الفراغ الرئاسي .
رافق كلامَ باسيل هذا معلومات عن توجه باسيل إلى الطلب من الوزراء المسيحيين المحسوبين عليه الانسحاب أو الاعتكاف لأنها حكومة "غير شرعية" وغير قادرة على تولّي صلاحيات الرئاسة. ويرافق هذا التوجهَ كلام آخر عن إمكانية اتخاذ خطوات تصعيدية في الإدارات العامة المحسوبة على التيار الوطني الحر.
يدرك عون وباسيل أن خياراتهما محدودة جداً، لكن تاريخ عون يشير إلى أن بإمكانه خلق مواجهة شرسة في البلاد عبر كرسيه في الرابية الذي سيعود إليه في 31 تشرين الأول، وحيث سيجلس إلى جانب باسيل ويدعمه في تشكيل فريق معارض يرى فيه فرصة لإعادة ما خسره من شعبية في السنوات الماضية .
الأكثر مدعاة للإهتمام في هذا السياق، هو موقف حليف عون وباسيل الأساسي حزب الله. ووفق معلومات فقد أبلغ الحزب فريق الرئيس عون أنه غير معني بأي تحركات شعبية أو خيارات قد تطرح في البلاد انشقاقاً وإشكالات دستورية، وبالتالي لن يساند التيار في أي خطوة تصعيدية لاحقة. أكثر من ذلك، فإن الحزب أبلغ التيار بالقبول بالحكومة كما هي مع إجراء التعديلين في المقعدين السني والدرزي على أن يختارهما رئيس الجمهورية. وهكذا تُعاد الثقة إلى هذه الحكومة لتتولى صلاحيات الرئاسة في حال الشغور. والأدق أن توجه الحزب هذا لن يبقى على النصائح فقط، بل سيتحول إلى جهد يقوم به في ربع الساعة الأخير قبل دخول المجلس النيابي بصفته هيئة ناخبة في العشرة أيام الأخيرة، ساعياً إلى تشكيل حكومة تجنِّب البلاد الأزمة السياسية .
ولما كان حزب الله يبدو عالقاً مجدداً بين حليفيه، الشيعي والمسيحي، وسط تصلّب الرئيس عون وإلى جانبه باسيل في المطالبة بزيادة ستّة وزراء دولة ورفض الرئيسين بري وميقاتي ذلك، فإن ذلك سيجعل حزب الله متحفّظاً على خلق أي توتر في البلاد، وسيدعم خيار تولّي الحكومة المستقيلة صلاحيّات الرئاسة بانتظار نضوج التسوية الرئاسية .
لا يختلف موقف الداخل هذا عن موقف الخارج، إذ تتحدث معلومات دبلوماسية عن رفض المجتمع الدولي لأي شكل من أشكال التوتر في لبنان ورفض أي انقسام يمكن أن ينتج عن فوضى دستورية يعتبرها مختلَقة .
عليه، يواجه باسيل طوقاً داخلياً وخارجياً يقول سياسيون إنه لن يخرج منه سالماً إن استمر بتصلّبه الذي سيخلق أزمة سياسية يمكن أن تتطور إلى فوضى سياسية دستورية وأمنية لا خروج منها إلّا بتسوية لن تكون لمصلحته بتاتاً. فالتسوية ستكون إما أمنية ـ سياسية أو سياسية، وفي الحالتين لا حظوظ له فيها ولو بالواسطة .
قد يكون أقلّ الأثمان التي يمكن لباسيل أن يدفعها اليوم هو القبول بالصيغة الحكومية التي قدمها ميقاتي ولو من دون ثلث ضامن له، على أن يحافظ على ثلث ضامن مع أحد الحلفاء، لأن غير ذلك سيجعله وحيداً في المشهد السياسي .
غير أن من يعرف عون وباسيل يعرف أنهما يهويان اللعب على حافة الهاوية. ومن يعرف باسيل يعرف أنّه يراهن على الوقت والمتغيرات الإقليمية على أمل أن يحملا تسويات تجعله إمّا رئيساً وإمّا صانع رئيس. فعلى الرغم من قوله إنه يتمسك بالطائف، فهو لا يترك مناسبة إلا ويتحدث فيها عن نظام جديد وعن لامركزية إدارية موسعة وتعديلات على المهل الدستورية المتعلقة برئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء عند الدعوة إلى استشارات نيابية ملزمة وعملية التشكيل. يُعِد باسيل جيداً لرؤيته للنظام الجديد على أن يعلن ذلك رسمياً في الوقت المناسب، وعلى أن يكون ذلك مخرجه الوحيد للتخلص من عزلته السياسية .