فتحت العولمةُ الكرة الأرضية على أوسع مدى، وأرحب مجال: رجالُ الأعمال يتنقّلون بخفّةٍ وحركةٍ سريعتين، تُرافقهم آخر ما توصّلت إليه تكنولوجيا الإنترنت والإتصالات. الأموال تتنقل بسهولةٍ ويُسر، المعلومات تتدفّق كالسيل العارم، الاتصالات أسرع مما يتخيلهُ عقلٌ بشري. النّهبُ مُنظّم، لا حاجة لمستعمراتٍ ومُستعمرين ومستشرقين وعلماء آثارٍ ولغات، كما فعل نابوليون بونابرت أواخر القرن الثامن عشر، عندما حطّ رحالهُ على أرض مصرَ مع"العدّة الكاملة". لا حاجة لعبيدٍ يُساقون كالمواشي في السفن ليُعمّروا عالم البيض المحظوظين في الدنيا والآخرة.
أمّا تنقُلُ البشر؟! فلا وألف لا، وما كان مُيسّراً في أواخر القرن التاسع عشر، حتى الربع الأخير من القرن العشرين، ولّى إلى غير رجعة، كلّ القيود على حركة تنقُّل البشر، البشرُ المسحوقون المظلومون التائهون في محيط العولمة الزاخر، يُصابون بالدُوار من تلاطم المصالح الكبرى، ويُصدّون عن بلاد الرفاهية والنظام وحقوق الإنسان، والحريات الديمقراطية، بلاد تداول السلطة واجتثاث الفساد. كل ذلك ظلّ مقبولا حتى جاءت الأزمة السورية فعرّت نظام الإقفال المُحكم لأبواب العالم الحر، وتدفّقَ مئات الآلاف من البشر، تاركين وراءهم مدنَهم وقراهم وأرزاقهم، ولقمة عيشهم المرّة مع حُكّامٍ ظلَمة، استباحوا البلاد والعباد، وأسلموها لحروبٍ أهليّةٍ مُدمّرة،فهجرها أهلوها، وألقوا بأنفسهم إلى التّهلكة، رغم التحذير الرباني: ولا تُلقوا بأنفسكم إلى التهلكة.