في موازاة الاستحقاق الرئاسي والحكومي استحقاقات على جانب كبير من الضرورة والاهمية، منها ما يمكن تسميته بالاستحقاق الإصلاحي والإنقاذي، والمرتبط بالبت بمشاريع حيوية بنكهة إصلاحية تلبّي شروط ومتطلبات صندوق النقد الدولي، تسير بالتوازي مع خطة التعافي الحكومية التي رُوّج لها بأنّها معجّلة، ولكنها لأسباب مجهولة تبدو مؤجّلة حتى لا نقول معطّلة. ومنها أيضاً الاستحقاق المالي المرتبط بالعمق بالمنحى الاصلاحي والانقاذي، والمتمثل بإقرار موازنة السنة الحالية المطروحة حالياً امام لجنة المال والموازنة النيابية، والتي يبدو انّ النقاش فيها عالق في الأرقام وجلجلة الدولار الجمركي.
الجو العام حول الموازنة، انّها إذا ما انجزتها اللجنة المالية، في الأيام القليلة المقبلة، فسيدعو رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى جلسة عامة لمناقشتها واقرارها قبل نهاية الشهر الجاري. وإذا ما تعذر ذلك فخلال شهر ايلول المقبل، علماً انّ اوساطاً في اللجنة كانت قد ذكرت انّ دراسة الموازنة قد شارفت على نهايتها، الّا انّ النقاش الأخير اصطدم بعقدة "الدولار الجمركي"، التي يبدو انّ تحديد سعره دونه صعوبات واختلافات.
وإذا كانت الحكومة مستعجلة على إقرار الموازنة، محتسبة ارقامها على اساس سعر صرف لا يثقلها بأعباء، بل يحقق لها إيرادات تجعلها قادرة على مواكبة الحدّ الأدنى من متطلبات البلد. وهذا معناه أنّ الثقل الأساس سيكون على المواطن اياً كان سعر الدولار الجمركي. مع الاشارة إلى انّ اقتراحات متعدّدة طُرحت حول سعر الدولار الجمركي، بين 12 الفاً و20 الف ليرة، وسعر منصّة صيرفة، والسعر المتداول في السوق الموازية للسعر الرسمي.
وكما بدا جلياً من الآراء النيابية، انّ هذا الدولار تحول إلى ما يشبه كرة نار، حيث انّ الحكومة تزيل عن نفسها هذه المسؤولية، فيما المجلس النيابي ينأى بنفسه عن تحديد سقف الدولار الجمركي، وبالتالي لا يريد أن يتحمّل مسؤولية إجراء كهذا قد تتأتى منه تداعيات وآثار اجتماعية سلبية، بل يعتبر انّ المسؤولية في هذا المجال تقع على الحكومة، ما يعني انّ الكرة في ملعبها لكي تحدّد هي سقف الدولار الجمركي. وبهذا المعنى، كانت الرسالة البالغة الدلالة والوضوح، التي وجّهها إلى الحكومة المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب النائب علي حسن خليل، بعد انتهاء جلسة اللجنة امس الاول الخميس، وتأكيده انّ رفع الدولار الجمركي ليس من صلاحية مجلس النواب بل مسؤولية الحكومة بالكامل وفق ما حدّده قانون موازنة العام 2018 الذي أجاز للحكومة حق التشريع الجمركي حتى العام 2013.
تبعاً لذلك، رجّحت مصادر اللجنة المالية أن يطول النقاش حول الدولار الجمركي، وقالت لـ"الجمهورية": "هذا الامر دقيق جداً، والنواب يدركون ذلك، ولا يريدون بالتالي ان ينوبوا عن الحكومة بالقيام بما عليها هي ان تقوم به، دور الحكومة ان تحدّد سعر صرف الدولار الجمركي، ليس بطريقة عشوائية بل بطريقة مدروسة لا تترتب عليها أعباء على المواطنين وتزيد من معاناتهم. وعلى أساس ما ستقدّمه الحكومة سنبني على الشيء مقتضاه".