إحتفل المهتمون بالشاعر العربي أدونيس بمئويته التسعين من خلال الكتابة أو من خلال الحوار مع صاحب المناسبة تمسكاً منهم بتجربة شائخة أهميتها أنّها تتجّدد بإستمرار نتيجة وصول أدونيس إلى مستويات متقدمة في المشهد الثقافي العالمي .
لا مجال في هذه العجالة لإحياء المناسبة بالطريقة التي تمّ فيها التعبير عن مشاعر المثقفين العرب وغير العرب بالشاعر أدونيس لأن دسم المناسبة يدفع إلى التزوّد عن طريق الجدل مع شخصية إشكالية تفرض نمطاً من التعاطي مختلفاً تماماً عن ما كررته الحوارات الأخيرة مع أدونيس الأكثر شباباً وحيوية وهو في التسعين من عمره .
لم يضف في مقابلته التسعينية إن صح التعبيرمع كابي لطيف شيئًا جديداً أو مهمّاً بالقدر الذي كرر فيه مواقف سابقة في الثقافة والسياسة وهذا ما جعل من مجمل حوارات أدونيس كمية لا نوعية وهذا ما يتعارض مع مثقف خلاّق وصاحب رؤية في ظل تطورات هائلة على المستويات كافة .
ربما غياب المحاور الجدلي والندي الذي يدفع بالمُحاور إلى إخراج ما يكتنزه من ثقافة واسعة غير ضيقة هو الذي يُسهم في جعل حوار أدونيس مجرد جُملة ثقافية محدودة وهي منشورة على أكثر من لسان ثقافي وليست من إبتكارات أدونيس من الإنسانية إلى اللآعنفية إلى سلفية التأويلات الدينية إلى ضرورات الحريات لتحرير المجتمعات العربية الإسلامية إلى الموقف الصارم من أميركا المؤمركة لأوروبا والعرب وهذا الموقف فطري يولد مع المولود العربي والإسلامي ولا شيء فيه يعكس صورة المثقف العربي المكثفة بالأضواء الإعلامية .
يفتقر المحاور العربي إلى ذهنية الحوار ومتطلباته وهو لايجيد مع أدونيس سوى سياسة المدح والإطراء والتغني والتشاعر مع شاعر لا يحتاج إلى هذه المقدمات التي يجهد فيها مقدموا البرامج للفت إنتباه أدونيس إليهم كما يظنون لأن تواضعه أهم قصيدة غير مكتوبة في دواوينه وهذا ما يفقد الحوار الحيوية المطلوبة لمستمعين يهتمون كثيراً إلى نبش المخزون الثقافي لدى قارىء نهم كأدونيس كي يسمعون بإستمرار مقولات جديدة في المسارات الثقافية والسياسية وهذا لن يكون إلاّ من خلال تحدي أدونس في نتاجه الشعري وفي مواقفه السياسية وفي رؤيته الثقافية من موقع النقد لا من خلال الإطراء وطأطأة الراس كما يفعل المحاورون له .
إن الإستسلام لشهرة الشاعر والمثقف والأديب والسياسي هو إحدى عوائق التعرف الفعلي على تجارب هؤلاء وفق منطق آخر غير المعتمد من قبل وسائط التواصل وهذا ما يجعل من الحوارات مجرد زيارات للمنازل لمعرفة عدد غرفها ومحتوياتها واللهو فيها وفي جدرانها التاريخية والعودة بنا إلى طفولات جهابذة لا تعنينا بشيء كما هو حال السؤال الثابت والدائم للمحاورين لأدونيس عن طفولته وعن الشجرة وولاداته الثلاث من دمشق إلى بيروت فباريس وهو في كل حوار يعيد القصص نفسها وهذا ما يفقد متعة الإستماع إلى مثقف عربي يجيد بإستمرار الإتيان بمفاهيم جديدة وبتنبؤات لمسارات المستقبل العربي على ضوء أزماته المتعددة في السلطة والمجتمع .