حاولتُ أن أرسم وجه الفرح على جدار الوطن، وعلى ضوء شمعة القمر، ناشراً ضوء النجوم، فأسرع خطاه إلى شاطئ البحر، وارتدت السماء عباءتها، وانعقد تين الأرض، وانحنى الدحنون، وفاحَ الأريج، آتياً آوان العطر.. هي الآء، والآء الرحمن، جاورتها سورتي الرحمن والإسراء، فركت كفَّيها بورقة الزيتونة، زيتونة أمها وعمتها زينب، وفتحت دفترها المقفل وكتابها المغلَّف بشرشفٍ جنوبي عاملي، مرددةً... أتلمح عمق الجراح يا أبتِ؟. لم تمت الأحلام، تساقيناها رغم مرارة التعب، أُغنيةً ومواوويل، نغرسها في أرض الوطن، بذوراً وقصباً وزهوراً، علماً ونوراً، وسنرى معاً لُجَين القطن والسنابل وذهب القمح، ونُنسج من نهر الحلم للوطن اليتيم قميصاً ورداءً من تحت الكساء، يا ميَّاسة الحب والقلب والعين والذاكرة، ويا وجهاً متوضاً بالضوء، وقارورة عطرٍ، وزنبقة الدار، وحبق الحدق، يا لحروف اسمكِ المترقرقة المغزولة، لتعانق نعمة الآء الرحمن في حقول الزرع، فتنحني الملامح أمام ازدحام الورد والورود في بساتين الأرض، هنا استعيدُ نصفي، بل كُلِّي، لتأخذني الفرحة من أسفل الجبل إلى قمة السماء، لأُسَبِّح الله وأشكره على آلائه ونعمه الذي تقدَّس باسمك ـ اقنتي لربك واسجدي ـ كي لا يهرب الوطن من عيون المواطنين ـ ربي اجعل هذا البلد آمناً ـ كي نكتب وطناً على جذع النخيل ـ فهزِّي بجذع النخلة تُساقط عليكِ رُطباً جنيَّاً ـ سلاماً أيها الوطن، سلاماً أيها المعلم والأستاذ، سلاماً أيتها المدرسة والثانوية والجامعة، تعالوا جميعاً نحتضن وطناً لنتشابك على حافته المهجورة، كي لا نبقى مثل عابري سبيل، ومثل الزواريب الضيقة، لا إسم لنا ولا عنوان، حتى لا نكون مجرد أقدام تمشي في هذا البلد ولا تدري إلى أين؟ ويبقى خيالنا يرسم سراباً على الرمال والجدران، مثل نخيل الليل، تعالوا نفتح دفاتر الوطن، ونقرأ ما تيسَّر من سورة البلد، ونقرأ المعوذتين، لنطرد ذؤابة الطاعنين بالغدر، والواقفين العابثين بحدائق أرز الوطن، ونبتكر وطناً لنحلم بالعدل ـ حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم - لأن سقف الوطن أرفع سقوف المنازل وبدونه ننكشف ونقف بالعراء التاريخي.